للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألفاظ العذبة الرشيقة التى تموج بالنعومة والخفة فيؤلف منها مدائحه على شاكلة سينيته فى الأمين وفيها يقول (١):

أضحى الإمام محمد ... للدين نورا يقتبس

تبكى البدور لضحكه ... والسيف يضحك إن عبس

وكان له حس دقيق وذوق مرهف، يعرف عن طريقهما كيف يختار أرق الألفاظ وأرشقها وأخفّها فى النطق وأحلاها فى السمع، وكان يدنو فى ذلك حتى يمس شغاف القلوب، إذ كان يحسن اختيار أسهل الألفاظ وأيسرها وأقربها إلى ما يجرى على ألسنة الناس فى حياتهم اليومية. ومن أجل ذلك كان يتجافى عن ألفاظ القدماء، حتى فى المديح، أو قل فى كثير منه، فإنه كان يبتغى فيه أو على الأقل فى بعضه أن يأخذ بألباب سامعيه بما يعرض عليهم من لغة عذبة تسيل خفة ورشاقة.

وأبو نواس فى أراجيزه ووصفه للصيد وأدواته وجوارحه أكثر تمسكا بالقوالب القديمة، وقد سبقه، كما مر بنا فى غير هذا الموضع، أبو نخيلة وأضرابه من شعراء العصر الأموى مثل الشّمردل إلى اتخاذ الرجز أداة لهذا الوصف، ومضى فى إثرهم يحاكيهم فى التمسك بهذا القالب وكل ما يتصل به من لفظ غريب. وقرن بهذه المحاكاة الشديدة ضروبا من التجديد فى المعانى والصور على شاكلة قوله فى إحدى طردياته (٢):

لما تبدّى الصّبح من حجابه ... كطلعة الأشمط من جلبابه (٣)

وانعدل الليل إلى مآبه ... كالحبشىّ افترّ عن أنيابه

هجنا بكلب طالما هجنا به ... ينتسف المقود من كلاّبه (٤)

كأن متنيه لدى انسرابه ... متنا شجاع لجّ فى انسيابه (٥)


(١) ابن المعتز ص ٢١١.
(٢) الديوان ص ٢١٠ والحيوان ٢/ ٤٠.
(٣) الأشمط: الذى يخالط سواد شعره بياض الشيب.
(٤) ينتسف: ينتزع بقوة.
(٥) انسرابه: انسيابه وإسراعه. الشجاع هنا: الأفعى، متناه: مكتنف صلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>