للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنما الأظفور فى قنابه ... موسى صناع ردّ فى نصابه (١)

كأن نسرا ما توكّلنا به ... يعفو على ما جرّ من ثيابه (٢)

ترى سوام الوحش يحتوى به ... يرحن أسرى ظفره ونابه (٣)

وتمتلئ طردياته بمثل هذه الصور، وهى تعدّ ركنا هامّا فى شعره إذ كان يكثر من التشبيهات والاستعارات، وكان يعرف كيف يجدد فيها وكيف يأتى بالطريف النادر.

وكان يتخير لمراثيه أسلوبا جزلا مصقولا، وقد يكثر فيه من الغريب، وخاصة إذا كان من يبكيه من اللغويين مثل خلف الأحمر أستاذه، وقد يتخفف من ذلك، ولكنه على كل حال يظل محتفظا بالأسلوب الرصين. وهو فى مراثيه يمتاز بجرارة اللهجة وصدق العاطفة، وربما كان أجودها جميعا مراثيه فى الأمين، وهى تفيض باللوعة والحزن العميق من مثل قوله (٤):

طوى الموت ما بينى وبين محمّد ... وليس لما تطوى المنيّة ناشر

فلا وصل إلا عبرة تستديمها ... أحاديث نفس مالها الدهر ذاكر

وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لى شئ عليه أحاذر

لئن عمرت دور بمن لا أودّه ... لقد عمرت ممن أحبّ المقابر

ومن نفس هذا الأسلوب المتين المصقول أشعاره التى نظمها فى السجن يستعطف بها الرشيد والأمين ووزيره الفضل بن الربيع (٥).

وإذا كان أبو نواس اعتدّ فى كل تلك الأغراض بسنن الأسلوب الموروثة، فإنه حاول أن يجدد فى الهجاء والغزل والمجون، وأهاجيه نوعان: نوع تمسك فيه بالأوضاع التقليدية، وذلك حين كان يهجو العدنانيين ويفخر بمواليه القحطانيين (٦) وكأننا نستمع إلى قصائد من نمط نقائض جرير والفرزدق، فهى تعجّ بالمثالب


(١) الأظفور: الظفر، قنابه: غطاؤه. صناع: ماهر. نصابه: قرابه ومقبضه.
(٢) توكلنا به: اعتمدنا عليه. يعفو: يمحو.
(٣) سوام الوحش: الوحش المنطلقة فى الفيافى.
(٤) الديوان ص ١٢٩.
(٥) الديوان ص ١٠٦ وما بعدها.
(٦) الديوان ص ١٥٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>