للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن رفّاءك هذا ... ألطف الأمة كفّا

وأهم شاعرين اصطدم بهما أبان بن عبد الحميد وفضل الرقاشى، أما أبان فكان البرامكة يقيمونه على ديوان الشعر والشعراء يقدر جوائزهم، فبخسه جائزته (١)، ويقال بل إن البرامكة طلبوا إلى أبى نواس أن ينقل لهم كليلة ودمنة شعرا، فنصح له أبان أن لا يصنع لما يجشمه ذلك من صعاب كثيرة، فاستعفى منه، وتخلّى به أبان فترجمه، وأعطاه البرامكة على ترجمته مالا جزيلا. وعرف ذلك أبو نواس وتبين له أنه احتال عليه، فهجاه ونشبت بينهما خصومة عنيفة (٢)، كان أبو نواس ما يزال يرميه فيها بالزندقة واقتراف الآثام (٣)، وكان من أشد ماهجاه به على نفسه نعته له بصفات لا تليق بمن يكون سميرا للوزراء من أمثال البرامكة، إذ يقول فى إحدى أهاجيه مصورا ثقله (٤):

فيك ما يحمل الملوك على الخر ... ق ويزرى بالسيد الجحجاح (٥)

فيك تيه وفيك عجب شديد ... وطماح يفوق كلّ طماح

بارد الظّرف مظلم الكذب تيّا ... هـ معيد الحديث غثّ المزاح

وكانت هذه الأبيات سببا فى سقوط أبان عند البرامكة، وصار له كالعبد لا يلقاه ولا يذكر له إلا يجلّه. ويظهر أن اصطدامه بفضل الرقاشى يرجع إلى تقديم أبان والبرامكة له، وكان خليعا، فأتاه أبو نواس من هذا الجانب كثيرا.

وله يقول (٦):

والله لو كنت جريرا لما ... كنت بأهجى لك من أصلكا

وله أهاج كثيرة فى القيان والمغنين، وحتى من أكرموه مثل الخصيب والبرامكة لم يسلموا من هجائه، وهو فيه دائما يلتمس السيئات وكثيرا ما يفضى إلى فحش وإقذاع شديد.

ولأبى نواس غزل كثير فى المرأة والغلمان، وأروع ما له من غزل فى المرأة ما نظمه فى جنان، إذ يعبّر فيه عن مشاعر صادقة، ومن الغريب أنها كانت


(١) ابن المعتز ص ٢٠٢.
(٢) ابن المعتز ص ٢٤١.
(٣) الديوان ص ١٨٠ وما بعدها.
(٤) ابن المعتز ص ٢٠٣.
(٥) الخرق: الحمق. الجحجاح: الجواد.
(٦) الديوان ص ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>