للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقابا صارما إذ ضربه مائة سوط، وتوسط بينهما مواليه من عنزة، وكفّ أبو العتاهية لسانه (١).

ويمّم الكوفة غير أن مقامه لم يطل بها، فإن إبراهيم الموصلى صديقه أقبلت عليه الدنيا حين ولى الخلافة المهدى (١٥٨ - ١٦٩ هـ‍) وقرّبه مع من قرّب من المغنين، فأرسل إليه أن يلحق به، ليقدمه للخليفة، وطار إليه أبو العتاهية، وأعجب الخليفة بمديحه، وأخذ يغدق عليه جوائزه (٢)، وأوسع له فى مجالسه حتى أصبح أثيرا عنده مقدّما له على كثير من الشعراء، وحتى نراه يقبل شفاعته فى أحد وزرائه وقد أمر بسجنه (٣). ويعظم شأن أبى العتاهية ويتهادا كبار رجال الدولة ووجوهها وفى مقدمتهم خال المهدى يزيد بن منصور الحميرى وقائده وواليه على طبرستان عمر بن العلاء ممدوح بشار، وله يقول من قصيدة:

إنى أمنت من الزمان وريبه ... لما علقت من الأمير حبالا

ويقال إنه وصله على القصيدة بسبعين ألف درهم (٤).

وتمر الأيام بأبى العتاهية باسمة، غير أن سحابة لا تلبث أن تنعقد فى سمائها، فقد تعلّق بجارية من جوارى زوجة المهدى رائطة بنت السفاح، وهى عتبة، وكانت تزدريه كما ازدرته سعدى من قبل، ومضى لا يكفّ عن غزله بها ولا يرعوى، فعرّفت مولاتها خبره وأثارتها عليه، فحدّلت المهدى بشأنه، فغضب لتعرضه لحرمه وجوارى قصره، وأمر بضربه مائة سوط وسجنه، ولم يلبث يزيد بن منصور الحميرى أن شفع له لدى المهدى، فعفا عنه وردّ إليه حريته، ويقول الرواة إنه لم يكن يحبها حبّا صادقا إنما كان يريد الشهرة فى الأوساط الأدبية بذكرها وأنه امتحن فى حبها وأثبت الامتحان كذبه وأنه إنما كان يتكلف هذا الحب تكلفا (٥)، وقد ظل يذكرها ويتغنّى باسمها طويلا، ولعل ذلك هو الذى جعل المهدى يقول له إنك إنسان معتّه، فاستوى له بذلك لقبه «أبو العتاهية» وغلب على اسمه (٦).

وكانت بغداد لعهد المهدى قد جذبت إليها شعراء كثيرين من الكوفة والبصرة


(١) انظر القصة فى الأغانى ٤/ ٢٢ وما بعدها.
(٢) انظر ابن المعتز ص ٢٣١ والمسعودى ٢/ ٢٤٠ وزهر الآداب ٢/ ٣٨.
(٣) أغانى ٤/ ٥٦.
(٤) زهر الآداب ٢/ ٣٤ وانظر الأغانى ٤/ ٣٨.
(٥) انظر فى قصته مع عتبة ابن المعتز ص ٢٣٠ وزهر الآداب ٢/ ٣٥ وتاريخ بغداد ٦/ ٢٥٤ وما بعدها.
(٦) أغانى ٤/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>