للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصد المعاش والتكسب، وخرج إليها فيمن خرجوا جماعة المجان من أمثال مطيع ابن إياس ووالبة وأبى نواس، واختلط بهم أبو العتاهية وأخذ يعبّ معهم من كئوس الخمر واللهو فى دور القيان والمجانة بالكرخ من أمثال دار القراطيسى (١) وفى الأديرة من مثل دير أشمونى (٢). ويفسد الأمر بينه وبين والبة، فيصليه نارا حامية من هجائه بمثل قوله يعرّض باعتزائه المزيف للعرب، إذ كان ينسب نفسه فى بنى أسد (٣):

أوالب أنت فى العرب ... كمثل الشّيص فى الرّطب

هلمّ إلى الموالى الصّي‍ ... د فى سعة وفى رحب

فأنت بنا لعمر الل‍ ... هـ أشبه منك بالعرب

وما زال به حتى فضحه فعاد إلى الكوفة كالهارب وخمل ذكره (٤).

ويتوفّى المهدى فيخلفه الهادى (١٦٩ - ١٧٠ هـ‍) ويلزمه أبو العتاهية ينشده مدائحه فى كل مناسبة وعطاياه تهطل عليه كالغيث المنهمر، ولا يلبث أن يعتلى الرشيد أريكة الخلافة (١٧٠ - ١٩٣ هـ‍) وكان منقطعا إليه ملازما له أيام أبيه المهدى، فاتصل ما انقطع فى مدة الهادى القصيرة، وأصبح لا يفارقه فى سفر ولا حضر «وكان يجرى عليه فى كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والصلات السنية» (٥) وكثيرا ما كانت تبلغ فى المرة الواحدة مائة ألف درهم (٦). وينال جوائز كثيرة من كبار رجال الدولة حينئذ وعلى رأسهم يزيد بن مزيد الشيبانى، ويقال إنه أجازه فى إحدى مدائحه فيه بعشرة آلاف درهم (٧) ويظهر أنه دقّ أبواب البرامكة طويلا، ولكنهم لم يفتحوها له، إذ كانوا مشغولين عنه بشعرائهم من أمثال أبان وأشجع السّلمى.

وظل يعيش اللهو والقصف، حتى كانت سنة ١٨٠ للهجرة، وهى السنة التى نزل فيها الرشيد الرّقّة فإذا هو يتحول من حياة اللهو والمجون إلى حياة الزهد والتقشف وليس الصوف. ويحاول الرشيد أن يعود به ثانية إلى حياته القديمة وإلى ما كان يصنع له من رقائق الغزل، فيمتنع ويضيق الرشيد بامتناعه، ويأمر بضربه وحبسه


(١) أغانى (ساسى) ٢٠/ ٨٨.
(٢) الديارات الشابشى ص ٣١.
(٣) أغانى (ساسى) ١٦/ ١٤٣ والشيص: أردأ التمر.
(٤) أغانى ١٦/ ١٤٢.
(٥) أغانى (دار الكتب) ٤/ ٦٣.
(٦) أغانى ٤/ ٧٤.
(٧) أغانى ٤/ ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>