للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستبدلا بهما الزهد ونثر الحكم والدعوة إلى محاسن الأخلاق. وإذا كنا لاحظنا عند أبى نواس وبشار أنهما كانا يحافظان إلى حد كبير فى مدائحها على الأوضاع والتقاليد الموروثة فى الصياغة وفى التمسك بوصف الأطلال وبكاء الديار ونعت الصحراء وإبلها وحيوانها وكل ما يتصل بها فإن أبا العتاهية يخطو إلى الإمام خطوة بمدائحه إذ يتنحّى عن الصحراء والأطلال إلا ما قد يأتى عرضا، وأيضا فإنه لا يتمسك غالبا بالأسلوب القديم الجزل الرصين، وكأنه يريد أن يفسح لأساليب عصره اللينة الخفيفة، ومن خير ما يمثّل ذلك مدحته اللامية للمهدى، وفيها يقول (١):

أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها

ولم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها

ولورامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها

ولو لم تطعه بنات القلوب ... لما قبل الله أعمالها (٢)

وإن الخليفة من بغض لا ... إليه ليبغض من قالها

والقصيدة من بحر المتقارب الخفيف، وألفاظها تسيل نعومة وعذوبة. وأكبر خليفة عنى بمديحه هرون الرشيد فقد كان يمدحه فى سلمه وحربه وفى كل المناسبات من مثل توليته العهد لبنيه، وفى هذه التولية يقول (٣):

وشدّ عرى الإسلام منه بفتية ... ثلاثة أملاك ولاة عهود

وكان يحرص دائما على مديحه بالتقوى والانصراف عن الدنيا متعرضا لوصف جيوشه وذبّه عن حمى الإسلام وما ينزل بأعدائه من موت يمحقهم محقا، على شاكلة قوله (٤):

وهرون ماء المزن يشفى به الصّدى ... إذا ما الصّدى بالرّيق غصّت حناجره (٥)

وأوسط بيت فى قريش لبيته ... وأوّل عزّ فى قريش وآخره


(١) أغانى ٤/ ٣٣.
(٢) بنات القلوب: النيات.
(٣) أغانى ٤/ ١٠٤.
(٤) أغانى ٤/ ١٥.
(٥) المزن: السحاب المطر. الصدى: بفتح الدال: العطش وبكسرها العطشان.

<<  <  ج: ص:  >  >>