للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزحف له تحكى البروق سيوفه ... وتحكى الرعود القاصفات خوافره

إذا نكب الإسلام يوما بنكبة ... فهرون من بين البريّة ثائره

ومن ذا يفوت الموت، والموت مدرك ... كذا لم يفت هرون ضدّ ينافره

والأسلوب هنا جزل رصين، ولكنه لا يبعد فى جزالته ورصانته، إذ كان يعنى باختيار ألفاظه من المعجم اليومى أو بعبارة أدق مما يقاربه سهولة. وقد نظم استعطافات كثيرة للرشيد حين حبسه، وهى لا تمتاز بالأسلوب السهل اليسير فحسب، بل تمتاز أيضا بشدة التضرع، حتى ليبادر الرشيد بالعفو عنه كما أسلفنا لمثل قوله (١):

أنا اليوم لى، والحمد لله، أشهر ... يروح علىّ الهمّ منكم ويبكر

تذكّر أمين الله حقّى وحرمتى ... وما كنت تولينى لعلك تذكر

وهو لا يكثر من الهجاء غير أن ما خلّفه فيه يدل على إحكامه لسهامه، حتى لنرى والبة بن الحباب يفرّ على وجهه منه إلى الكوفة، ومن أوائل هجائه أشعاره فى عبد الله بن معن مولى محبوبته الأولى سعدى النائحة، وقد صّوره فى بعض هذه الأشعار صورة ندى لها وجهه طويلا، إذ أخلاه من العقل والشجاعة بل أيضا من الرجولة، حتى ليقول على لسانه (٢):

أنا فتاة الحىّ من وائل ... فى الشّرف الشامخ والنّبل

ما فى بنى شيبان أهل الحجى ... جارية واحدة مثلى

قد نقّطت فى وجهها نقطة ... مخافة العين من الكحل

إن زرتموها قال حجّابها ... نحن عن الزّوّار فى شغل

وكان يعرف كيف يرمى مهجويه يمثل هذه النبال المصمية، فمن ذلك أن الأمور فسدت بينه وبين سلم الخاسر، فما هو إلا أن قال فيه:

تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذنّ الحرص أعناق الرجال


(١) أغانى ٤/ ٦٣.
(٢) أغانى ٤/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>