للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى سار البيت مسير الأمثال، وحتى أنّ منه سلم طويلا (١). ويقول ابن المعتز إنه «أتى باب أحمد بن يوسف كاتب المأمون، فحجب عنه، فقال:

متى يظفر الغادى إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم

فسار بيته هذا فى الآفاق، وجعل الناس يتناشدونه، فاعتذر إليه ابن يوسف (٢)» وجلا من أن يتمادى فى هجائه.

وبين أيدينا له مراث مختلفة، لعل أحرّها مراثيه فى صديقه على بن ثابت الزنديق، وقد أنشدنا منها أطرافا فى الفصل السابق، وقد ظل يبكيه ويندبه طويلا ندبا كله لوعة وحرقة وأسى عميق من مثل قوله (٣):

فتى لم يملّ النّدى ساعة ... على عسره كان أو يسره

أتته المنيّة مغتالة ... رويدا تخلّل من ستره

فخلّى القصور لمن شادها ... وحلّ من القبر فى قعره

وأصبح يهدى إلى منزل ... عميق تؤنّق فى حفره

أشدّ الجماعة وجدا به ... أشدّ الجماعة فى طمره

وليس له خمريات كثيرة وكأنما عصفت بخمرياته يد الزمن فيما عصفت به من شعره، ونراه يقدم لإحدى مدائحه للهادى بنعت مرقص للخمر وندمانها وساقيها ومن يلمّ بهم من الجوارى الحسان، يقول وقد طافت به بعض ذكرياته الماجنة فى الكوفة (٤):

لهفى على الزّمن القصير ... بين الخورنق والسّدير (٥)

إذ نحن فى غرف الجنا ... ن نعوم فى بحر السّرور

فى فتية ملكوا عنا ... ن الدهر أمثال الصقور


(١) أغانى ٤/ ٧٥ وطبعته الساسى ٢١/ ٧٦.
(٢) ابن المعتز ص ٢٣٣.
(٣) الديوان ص ١٢٤.
(٤) أغانى ٤/ ٦٠.
(٥) الخورنق والسدير: قصران قديمان بالقرب من الكوفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>