الأول من البادية وخيامها وما يطوى فيها من حبال وأعمدة. وطالما شبه الشعراء السيوف بالشهب، غير أن مسلما يضيف إلى ذلك تشبيها بشعل النار وهى فى يد يزيد يرمى بها يمينا وشمالا. ومضى فى البيت الثالث يضيف إلى تصويره السابق جناسين واضحين. والتمس صورة سبقه إليها زهير فى بيته الرابع، إذ يقول فى مديح صاحبه هرم بن سنان:
قد جعل المبتغون الخير فى هرم ... والسائلون إلى أبوابه طرقا
ومضى يصور فتكه بالأبطال تصويرا بديعا فى بيته الخامس، وكان القدماء يذكرون صحبة الطير للجيوش حين يصفونها كناية عما سنجد من أشلاء قتلاها، فاستغل ذلك فى بيته السادس وجعلها تتبع يزيد دائما فى رحلاته واثقة بما سيميرها به، حتى أصبح ذلك من عاداتها فهى دائما مرفرفة فوقه. ومثّله فى البيتين السابع والثامن شجاعا تام الشجاعة حتى لا يفارقه درعه فى أوقات أمنه وسلمه، وحتى لا يتعطر شأن المترفين اللاهين فعطره شجاعته وما يسيل على سيفه من دماء الأبطال.
واقرأ له هذه القطعة من مديح داود بن يزيد بن حاتم المهلى، وتصويره فيها لبسالته وبطولته:
موحّد الرأى تنشقّ الظنون له ... عن كل ملتبس منها ومعقود (١)
كاللّيث بل مثله اللّيث الهصور إذا ... غنّى الحديد غناء غير تغريد
يلقى المنيّة فى أمثال عدّتها ... كالسّيل يقذف جلمودا بجلمود
يجود بالنفس إذ ضنّ الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
فإنك تحس قوة البناء ودقة التعبير وروعة التصوير، فداود محكم الرأى إذا فكر فى شئ انكشف له غامضه ومتشابهه، وهو كالليث فى انقضاضه على فريسته، بل اليث هو الذى بحاكيه ويتخذه قدوته، وإن بسالته لتتحول إلى ما يشبه موجا لا يزال يسقطه على الأبطال موجة فى إثر موجة كالسيل يدفع جلمودا بجلمود. وإن