للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مثل قوله يهجو رجلا بقبح وجهه وخلقه:

قبحت مناظره فحين خبرته ... حسنت مناظره لقبح المخبر

وبنفس هذا النسيج من الصياغة وهذه الدقة فى المعانى والصور كان مسلم ينظم فى الحب والخمر، سواء أودعهما مقدمات مدائحه أو أفردهما ببعض المقطوعات، وهو يصور منزعه فيهما ومتعته بهما إذ يقول:

وما العيش إلا أن أبيت موسّدا ... -صريع مدام-كفّ أحور أكحل (١)

وكان لا يزال يبقى فيهما على نفسه ولا يزال يحتفظ بغير قليل من كرامته. وهو فى غزله لا يمجن ولا يفحش، بل يقترب اقترابا شديدا من أصحاب الهوى العذرى الذى يصور آلام العاشق وحنينه ونيران شوقه وحبه الذى يلذع فؤاده من مثل قوله:

إن كنت تسقين غير الرّاح فاسقينى ... كأسا ألذّ بها من فيك تشفينى

عيناك راحى، وريحانى حديثك لى ... ولون خدّيك لون الورد يكفينى

وقوله:

ولما تلاقينا قضى اللّيل نحبه ... بوجه كوجه الشمس ما إن له مثل

وخال كخال البدر فى وجه مثله ... لقينا المنى فيه فحاجزنا البذل

وقوله:

وأقسمت أنسى الداعيات إلى الصّبا ... وقد فاجأتها العين والسّتر واقع

فغطّت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدى الأسارى أثقلتها الجوامع (٢)

والخمر عند مسلم تأتى غالبا فى مقدمات مدائحه، وفيها يحاول أن يستنبط المعانى النادرة والأخيلة المبتكرة من شاكلة قوله:

ومانحة شرّابها الملك قهوة ... مجوسيّة الأنساب مسلمة البعل


(١) المدام: الخمر.
(٢) الجوامع: الأغلال والقيود.

<<  <  ج: ص:  >  >>