للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتفضيل القوة على العقل والسيف على الكتب والهزؤ بالمنجمين وما زعموا من أن المعتصم لا يفتحها فإذا هى تسقط أركانها ويتداعى بنيانها أمام مجانيقه وجنوده لبواسل، ويفرّ تيوفيل إمبراطور بيزنطة على وجهه، وقد عصف بقلبه الرعب، والنيران تأخذ عمورية من كل جانب، يقول (١):

فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ... نظم من الشعر أو نثر من الخطب

فتح تفتّح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض فى أثوابها القشب

ويتحدث عن وقعتها وما حققت للمسلمين والإسلام من منى معسولة ومن عز ومجد، بينما هوت بالروم وديارهم فى الحضيض. ويصور استعصاءها على ملوك الفرس والتبابعة وأنها عتيقة منذ الإسكندر ومع ذلك تحتفظ بشبابها للخليفة الموعود بفتحها وكأنما كان نصر جنود المعتصم فى يوم «أنقرة» جربا أصابها، فإذا هى تركع صاغرة تحت قدمى المعتصم وقد لطخ الدم ذوائب فرسانها وجباههم، والتهمتها النيران التهاما، وعلى الرغم مما أصاب جسدها من جرب ووجهها من تشويه تسكب فى نفوس العرب من الفرح والبهجة ما لا تذكر بجانبه فرحة ذى الرمة وبهجته حين كان يلمّ بربع مية التى تغنت بحبه لها الأحياء والبيد، يقول:

لقد تركت أمير المؤمنين بها ... للنار يوما ذليل الصخر والخشب

غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى ... يشلّه وسطها صبح من اللهب (٢)

حتى كأن جلابيب الدّجى رغبت ... عن لونها أو كأن الشمس لم تغب

ضوء من النار والظلماء عاكفة ... وظلمة من دخان فى ضحى شحب

فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت ... والشمس واجبة فى ذا ولم تجب (٣)

ما ربع ميّة معمورا يطيف به ... غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب (٤)

ولا الخدود وقد أدمين من خجل ... أشهى إلى ناظرى من خدّها التّرب


(١) انظر القصيدة فى الديوان ١/ ٤٥.
(٢) الليل البهيم: شديد الظلام. يشله: بطرده.
(٣) واجبة، آفلة: غاربة.
(٤) غيلان: ذو الرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>