للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أخذنا ننظر فى معانى مديحه وجدناه يحاول دائما أن يستنبط منها مبتكرات طريفة مستمدّا من مناجم عقله الغنية وكنوز أخيلته الثرية التى تحفل دائما بما يملأ النفس إعجابا به وبشعره، كقوله يصف جود أبى دلف (١):

تكاد مغانيه تهش عراصها ... فتركب من شوق إلى كل راكب (٢)

وقوله يصور جود المعتصم وكثرة بذله ونواله (٣):

تعوّد بسط الكفّ حتى لو أنّه ... ثناها لقبض لم تجبه أنامله

ولو لم يكن فى كفّه غير روحه ... لجاد بها فليتّق الله سائله

وقد تحول بوصفه بسالة الأبطال الذين تغنى بمديحهم وانتصاراتهم إلى ملاحم كبرى جسّم فيها بطولتهم تجسيما يدلع الحماسة فى قلب كل عربى، ويضرمها إضراما. ونراه يتغنى طويلا ببطولة محمد بن يوسف الثغرى الطائى وما أنزله من صواعق الموت على رءوس الخرّمية أصحاب بابك ورءوس الروم، وكأنه قيس يتغنى بليلاه. ومن رائع ما له فيه قوله يصور هجومه من الجنوب واقتحامه حصون العدو فى الشمال، والثلوج تغطى الطرق والآفاق (٤):

لقد انصعت والشتاء له وج‍ ... هـ يراه الرجال جهما قطوبا (٥)

طاعنا منحر الشمال متيحا ... لبلاد العدوّ موتا جنوبا

فى ليال تكاد تبقى بخدّ الشّ‍ ... مس من ريحها البليل شحوبا

فضربت الشتاء فى أخدعيه ... ضربة غادرته عودا ركوبا (٦)

لو أصخنا من بعدها لسمعنا ... لقلوب الأيام منك وجيبا (٧)

وأمّ ملاحمه قصيدته فى عمّورية التى مدح بها المعتصم مسجلا انتصاره العظيم على البيزنطيين، وهو فيها مبتهج ابتهاجا لا حدّ له بهذا الفتح المبين، وقد استهلها


(١) الديوان ١/ ٢١٢.
(٢) العراص: الساحات.
(٣) الديوان ٣/ ٢٩.
(٤) الديوان ١/ ١٧٣ وما بعدها.
(٥) انصعت: رجعت مسرعا. الجهم، القطوب: العبوس.
(٦) الأخدعان: العرقان البارزان فى العنق. العود: البعير المسن ركوب: مذلل.
(٧) أصخنا: أرهفنا السمع. الوجيب: الخفقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>