للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرفلن أمثال العذارى طوّفا ... حول الدّوار وقد تدانى العيد (١)

وهى قطعة رائعة زاخرة بوصف المشاعر والأحاسيس، مشاعر أبى تمام المحزون وأحاسيس الطير المبتهجة بالحب والطواويس المبتهجة بالربيع. ونراه فى إحدى مدائحه للمعتصم يصور الربيع واصلا بينه وبين عصر المعتصم وكأنه يرى عصره ربيع العصور العباسية. وقد مضى يحتكم فى هذا الوصف للربيع وفتنته بأنه مجمع الضدين:

الصيف والشتاء، فالصيف يتراءى فى طقسه والشتاء يتراءى فى زهره (٢)، بل إن المطر فى الشتاء ليحمل بين أطوائه الصحو المشرق الجميل كما يحمل الصحو بترطيبه للجو نضرة المطر، يقول:

مطر يذوب الصّحو منه وبعده ... صحو يكاد من النضارة يمطر

ويتسع به الخيال فإذا الندى الذى تترقرق حباته على الأوراق والغصون كأنه طيب سقط من غدائر السحاب على لمم الثّرى ولحاه، يقول:

وندى إذا ادّهنت به لمم الثّرى ... خلت السحاب أتاه وهو مغدّر

وبمضى فى حلمه، فإذا هو يرى نفسه فى رياض الربيع وأضواء الشمس تخالط الورود والرياحين كأنه فى ليلة مقمرة جميلة، والأحلام تفد عليه من كل صوب، يقول:

يا صاحبىّ تقصّيا نظريكما ... تريا وجوه الأرض كيف تصوّر

تريا نهارا مشمسا قد شابه ... زهر الرّبى فكأنما هو مقمر

وله بائية (٣) فى مديح ابن الزيات استهلها بوصف ديمة ممطرة مصورا فرحة الطبيعة بها بعد الجفاف الطويل ونراه يصل بينها وبين مديحه لابن الزيات وكأنه يرى فيها خلاله وكرمه الفياض. وهذا الوصل بين الممدوحين والطبيعة سواء فى هذه القصيدة أو سابقتها يجعلنا نحس فى وضوح عنده بوحدة القصيدة، وكأنها بمقدماتها عمل فنّىّ نام لا يزال بعضه يتولد من بعض.


(١) طوفا: جمع طائفة. الدوار: صنم كان النساء يطفن حوله فى الجاهلية.
(٢) انظر القصيدة فى الديوان ٢/ ١٩١.
(٣) الديوان ١/ ٢٩٦ وانظر هبة الأيام ص ٣٧ حيث نص على أنها فى ابن الزيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>