للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك القلم الأعلى الذى بشباته ... تصاب من الأمر الكلى والمفاصل (١)

وقد استمد فى وصفه له من قانون الأضداد مستنبطا كثيرا من المعانى اللطيفة الدقيقة. ونحسّ فى مديحه له وللحسن بن وهب ظاهرة نادرة هى الصداقة التى تنعقد بين رجال الأدب والشعر والفن، وقد عبّر عنها تعبيرا بديعا فى قوله لصديقه على بن الجهم الشاعر المعروف (٢):

إن يكد مطّرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسرى فى إخاء تالد (٣)

أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدّر من غمام واحد

أو يفترق نسب يؤلّف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد

ومراثى أبى تمام لا تقلّ عن مدائحه روعة، وإذا كان قد بلغ ذروة الإحسان فى أناشيد النصر وملاحمه فإنه بلغ أيضا هذه الذروة فى مراثيه لابن حميد الطوسى الطائى، وكان قد سقط-كما أسلفنا-فى ميدان النضال، وما إن أتاه نعيه حتى غمس-كما يقول الرواة-طرف ردائه فى مداد، ثم ضرب به كتفيه وصدره (٤) وأخذ يندبه بقصيدته الرائية الخالدة بمثل قوله (٥):

فتى كلما فاضت عيون قبيلة ... دما ضحكت عنه الأحاديث والذّكر

فتى مات بين الطّعن والضّرب ميتة ... تقوم مقام النصر إن فاته النّصر

وما مات حتى مات مضرب سيفه ... من الضّرب واعتلّت عليه القنا السّمر

وقد كان فوت الموت سهلا فردّه ... إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر (٦)

ونفس تعاف العار حتى كأنما ... هو الكفر يوم الرّوع إن فاته الكفر (٧)

فأثبت فى مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر (٨)


(١) الشباة: الحد.
(٢) الديوان ١/ ٤٠٧.
(٣) يكدى: لا يثمر، ويريد بمطرف الإخاء حديثه. تالد: قديم.
(٤) هبة الأيام ص ١٤١.
(٥) الديوان (طبعة بيروت) ص ٣٣٠.
(٦) الحفاظ: الذب عن الحمى والمحارم. الوعر: الصعب.
(٧) يوم الروع: يوم الحرب والفزع.
(٨) الأخمص: باطن القدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>