للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تردّى ثياب الموت حمرا فما دجى ... لها الليل إلا وهى من سندس خضر (١)

مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة ... غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر (٢)

وحقّا قال أبو دلف له: لم يمت من رثى بمثل هذا الشعر (٣)، فقد جسّم فيه بطولة ابن حميد تجسيما رائعا، وما زال يتغنى ببطولته واستبساله فى قتال الأعداء حتى أبدله من كسوة الدم الزكى كسوة الفردوس السندسية. وجاءه نعى خالد بن يزيد بن مزيد الشيبانى وهو على بريد الموصل فبكاه بكاء حارّا، ونراه يتفجع تفجعا كله حزن وأسى على ابنيه محمد وأبى على وعلى أخ له حضر وفاته وفيه يقول واصفا لحظة النزع الأخير (٤):

لله مقلته والموت يكسرها ... كأن أجفانه سكرى من الوسن (٥)

يردّ أنفاسه كرها وتعطفها ... يد المنية عطف الرّيح للغصن

ويقال إنه مات لعبد الله بن طاهر ابنان صغيران فى يوم واحد، وهزّه الخبر، وحرّك شاعريته، فدخل عليه وأنشده مرثية بديعة يقول فى تضاعيفها (٦):

نجمان شاء الله أن لا يطلعا ... إلا ارتداد الطّرف حتى يأفلا

وكان يجيد العتاب والاعتذار، ومن أروع اعتذاراته ما قدمه لابن أبى دؤاد حين غضب عليه لنيله من مضر فى إحدى قصائده لأبى سعيد (٧) الثغرى الطائى، فقد أحسّ أنه أذنب ذنبا عظيما وأخذ يستعطفه بمثل قوله (٨):

أتانى عائر الأنباء تسرى ... عقاربه بداهية نآد (٩)

نثا خبر كأن القلب أمسى ... يجرّ به على شوك القتاد (١٠)

كأن الشمس جلّلها كسوف ... أو استترت برجل من جراد (١١)


(١) دجى: أظلم.
(٢) ثوى: مات.
(٣) الأغانى ١٦/ ٣٩٠ والصولى ص ١٢٥.
(٤) الديوان (طبعة بيروت) ص ٣٥١.
(٥) الوسن: النعاس.
(٦) الديوان (طبعة بيروت) ص ٣٤٠ والصولى ص ٢١٧.
(٧) هبة الأيام ص ٢٢٥.
(٨) الديوان (طبع دار المعارف) ١/ ٣٧٨.
(٩) عائر: سائر وذائع. نآد: عظيمة.
(١٠) نثا: ذائع ومنتشر. القتاد: شجر له شوك كالإبر.
(١١) رجل هنا: طائفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>