وفى كتب اللغة كثير من هذه اللهجات الشاذة التى كانت تنفرد بها بعض القبائل، وقد عقد السيوطى فى المزهر فصلا لألفاظ اختلفت فيها لغة تميم والحجازيين، ويمكن أن نمد هذا الفصل للبحث فيما كان بين القبائل الشرقية وللغربية من خلافات لغوية.
ولعل أهم ما سجله اللغويون من فروق بين التميميين والحجازيين أن الأولين كانوا يحققون الهمزة وكان الثانون يسهّلونها فمثل سأل يسأل سؤالا عند الأولين يقابل سال يسل سوالا عند الثانين، ومثل رثأت وعباءة ونبئ عند الأولين يقابل رثيت وعباية ونبى عند الثانين. ويظهر أن ذلك لم يكن يطرد فى كل الكلمات ولا على جميع الألسنة فى الجانبين المتقابلين من الجزيرة. وكان التميميون يدغمون الحرف الثانى فى الثالث فى أمر مثل ردّ، بينما كان يفك الحجازيون الإدغام فيقولون:
اردد، وهذه أيضا فيما نظن كانت مسألة حسّ، فكان بين الفريقين من يجارى الفريق الآخر. ومما اشتهر بينهما من فروق إهمال ما عند التميميين فى نحو ما زيد قائم وإعمالها عند الحجازيين فيقولون ما زيد قائما، ومن ذلك أيضا أن الحجازيين كانوا يجرون «هلمّ» مجرى أسماء الأفعال مثل صه، فيلزمونها طريقا واحدا فى مخاطبة المفرد والمفردة والاثنين والاثنتين والجماعتين، فيقولون: هلم يا رجل وهلم يا امرأة وهلم يا رجلان وهلم يا امرأتان وهلم يا رجال وهلم يا نساء، أما التميميون فكانوا يجرونها مجرى الأفعال، فيقولون: هلم وهلمى وهلما وهلموا وهلممن يا نسوة، وبلغة الحجازيين نزل القرآن الكريم فى قوله تعالى:{وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا»}.
ومن ذلك أمس عند الحجازيين فإنها تلزم البناء على الكسر، أما التميميون فكانوا يقولون أمس فى الرفع وأمس بفتح السين فى الجر والنصب. ومن ذلك هيهات فإنها تلزم فتح التاء عند الحجازيين بينما تلزم الكسر عند التميميين فيقولون هيهات، وروى فيها الإعراب بالحركات. ومن ذلك تنوين الترنم فى قوافى الشعر، فقد كان الحجازيون يطلقون القافية، ليفرقوا بين الشعر الذى يغنّى والكلام المنثور، وكان التميميون يبدلون المدّ فى القافية نونا، على نحو ما عرف عن جرير فى قصيدته:
أقلّى اللوم عادل والعتابن ... وقولى إن أصبت لقد أصابن
عقد أبدل المدّ نونا فى «العتابن» و «أصابن» وهو يحذف فى لغة الحجازيين، فيصبح البيت على هذا النمط: