وكان السيد الحميرى فى القرن الثانى لا يزال يؤمن مثله برجعته. وزعم بعض الرواة أنه رجع بأخرة من حياته عن كيسانيته واعتنق مذهب الإمامية أصحاب جعفر الصادق، وأجروا على لسانه:
تجعفرت باسم الله والله أكبر ... وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
غير أن أبا الفرج ردّ ذلك قائلا هو ورواته إنه ظل على كيسانيته حتى الأنفاس الأخيرة من حياته. ولعلنا لا نغلو إذا قلنا إنه كان أكثر شعراء القرن الثانى تمجيدا لعلى وبنيه، فقد أنفق حياته فى نظم أخبارهم ومناقبهم، ويقول ابن المعتز إنه لم يترك فضيلة معروفة لعلى بن أبى طالب إلا نقلها إلى الشعر، وقد كرّر طويلا ما تدّعيه الشيعة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى له بالخلافة من بعده عند غدير خمّ بين مكة والمدينة، وفيه يقول:
أقسم بالله وآلائه ... والمرء عما قال مسئول
إن على بن أبى طالب ... على التّقى والبرّ مجبول
ولعل أطول قصائده الشيعية قصيدته التى تسمى المذهبة، وقد عنى بها الشيعة وشرحوها مرارا، وهو يستهلها بذكر الأمويين ومسير عائشة رضى الله عنها إلى البصرة مع طلحة والزبير، يقول:
أين التطرّف بالولاء وبالهوى ... أإلى الكواذب من بروق الخلّب
أإلى أمية أم إلى الشّيع التى ... جاءت على الجمل الخدبّ الشّوقب
تهوى من البلد الحرام فنبّهت ... بعد الهدوّ كلاب أهل الحوأب
وهو يشير إلى أن كلابا نبحت أم المؤمنين عند بئر الحوأب، وكان يفرط فى سبّها وسب طلحة والزبير وأبى بكر الصديق وعمر وكثير من الصحابة لا يرعوى ولا يزدجر، وكان يستطيع أن يسجّل لعلى ما شاء من فضائله، دون أن يزج بنفسه فى هذه المضايق الوعرة غير مراع لجلة الصحابة وأمهات المؤمنين، أى حرمة، ولبئس ما قال فى عائشة وصاحبيها: