فتغبقه السماء بصبغ ورس ... وتصبحه بأكوس عين شمس (١)
وأعجب جعفر بحسن بديهته. وأصبح شاعره وشاعر أسرته يمدحه ويمدح أباه يحيى وأخاه الفضل، ويغدقون جميعا عليه العطايا الجزيلة، ومن قوله فى يحيى:
كفانى صروف الدهر يحيى بن خالد ... فأصبحت لا أرتاع للحدثان
كفانى-كفاه الله كلّ ملمّة- ... طلاب فلان مرّة وفلان
فأصبحت فى رغد من العيش واسع ... أقلّب فيه ناظرى ولسانى
ونراه يرافق جعفرا حين هاجت العصبية بين النزارية واليمنية فى الشام لسنة ١٨٠ وقد ظفر بجماعة ممن سعوا بالفساد وشرّد آخرين وأصلح ذات البين بين الفئتين المتناحرتين. وأكثر من مديحه حينئذ، ويقال إنه كان يجرى عليه فى كل يوم جمعة مائة دينار وأشجع يجرى عليه أشعاره من مثل قوله:
أصلحت أمر الشام محتسبا ... ورتقت ما فيها من الفتق
ما كان يدرك بالقتال ولا ... بالمال ما أدركت بالرّفق
وعزم الرشيد فى نفس السنة على تولية جعفر خراسان وسجستان وأخرج له الأمر بذلك، فابتهج وابتهج معه شاعره، ولم يلبث أن دبّج فيه إحدى روائعه وفيها يقول:
يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع
وليس بأوسعهم فى الغنى ... ولكنّ معروفه أوسع
وكيف ينالون غاياته ... وهم يجمعون ولا يجمع
بديهته مثل تدبيره ... متى رمته فهو مستجمع
وبدا للرشيد فرجع فى أمره وعزيمته، فأنشده شعرا طريفا يسليه به، زاعما أن الرشيد رأى حاجته إليه أمسّ من حاجة أهل خراسان. ويكثر من مديح جعفر
(١) تغبقه: من الغبوق وهو شرب الخمر فى المساء، والورس: زهر أصفر. تصبحه: من الصبوح وهو شرب الخمر فى الصباح.