المعجم العربى اتساعا شديدا، وهو فى حقيقته معجم عدة لهجات، نظمت فى سلك واحد هو العربية، وحقا ميّز اللغويون فى مباحثهم الشواذ والشوارد والنوادر والمنكر والمتروك وغير الفصيح وساقوا فى ذلك شواهد احتفظ السيوطى فى المزهر بكثير منها، ولكنهم حين ألفوا المعاجم حشدوها فيها جميعا. وقد ذهبوا يحصون أسماء السيف مثلا ويقولون إنها خمسون، وبالمثل أحصوا أسماء الأسد والفرس والبعير، وأمدتهم الاختلافات اللغوية بين القبائل بمدد لا ينفد أو بعبارة أدق لا يكاد ينفد فى ذلك كله. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن لغة من اللغات لا يمكن أن تجارى العربية فى هذا الباب باب الترادف، فهو باب واسع فيها، وقد أعدها ليشيع فيها أسلوب من التكرار الصوتى والترادف الموسيقى عند الجاحظ وأضرابه.
ومما يرجع أيضا إلى اللهجات الجاهلية وتباين التعبير فيها عن المسميات وتعدده باب الأضداد، إذ نجد كلمة واحدة تستعملها قبيلة بمعنى، ثم تشيع عند قبيلة ثانية لا بمعنى مغاير له فحسب، بل بمعنى مضاد يناقضه، مثل جلل بمعنى عظيم فإننا نجد المعاجم تنص على أنها تأتى بمعنى حقير، ومن ذلك الجون يوصف به الأسود والأبيض ويدل عليهما، ومثله البسل بمعنى الحلال والحرام. وعلى شاكلة التضاد فى الأسماء قد يكون التضاد فى الأفعال فتعبر عن معنيين متناقضين مثل رجا بمعنى رغب وخاف ومثل شرى بمعناها الذى نعرفه وهو اشترى وبمعنى باع الذى يضاده. وتكثر الأضداد لنفس السبب الذى كثرت من أجله المترادفات، وهو أنها ليست من استعمال قبيلة واحدة، وقد أفرد اللغويون لها بسبب كثرتها أبحاثا وكتبا مثل كتاب الأضداد لابن الأنبارى. ونحن إنما نقصد ما يتضح فيه التضاد مما مثلنا به، فإن اللغويين وسعوا مفهوم الضد، حتى شمل ما يكون بين استعمالين من فروق ضئيلة فى المعنى مثل ناء بمعنى حمل، وبمعنى حمل بمشقة، وأيضا فإنهم أدخلوا فى الأضداد ما نشأ عن المجاز والاستعارة، كاستخدام العرب كلمة السليم للملدوغ بأفعى تفاؤلا. فهذا ونحوه لا يعد من الأضداد بمفهومها اللغوى الدقيق، إنما الذى يعد من الأضداد مثل ما ذكرناه ومثل الرهوة بمعنى الارتفاع والانحدار ومثل الصريم بمعنى الليل والصبح والصارخ بمعنى المغيث والمستغيث والزبية للمكان المرتفع ولحفرة الأسد. ومرجع ذلك كما قلنا أنهم كانوا