وفى أخباره أنه صحب سلم بن قتيبة حين ولى مدينة الرّىّ للمنصور سنة ١٤٥ وهناك عشق امرأة من بنات الدهاقين كان نازلا بجوار دارها، ولم يلبث المنصور أن استدعى سلما فى نفس السنة، فاضطرّ مطيع إلى الرحيل معه، وألمّ فى طريقه بمدينة حلوان وجلس يستريح بجوار نخلتين وتذكر معشوقته، فخنقته العبرات وقال أبياته المشهورة التى أنشدناها فى الفصل الرابع والتى يخاطب فيها نخلتى حلوان خطابا مؤثرا شاكيا لهما فراقه الأحباء والخلان.
ومن الأجواد الذين فزع إليهم فى تلك الفترة يستميحهم بمدائحه معن بن زائدة الشيبانى، ويروى أنه لما أنشده مدحته التى يقول فيها مصورا كرمه وبأسه وحلمه وحصافته:
ترى له الحلم والنّهى خلقا ... فى صولة مثل جاحم اللهب
قال له معن مداعبا: إن شئت مدحناك كما مدحتنا، وإن شئت أثبناك، فاستحيى مطيع من إيثار الثواب على المديح، وهو محتاج إلى الثواب، فأنشأ يقول بديهة:
ثناء من أمير خير كسب ... لصاحب فاقة وأخى ثراء
ولكن الزمان برى عظامى ... وما مثل الدراهم من دواء
فقال معن: لقد لطفت حتى تخلصت، وصدقت لعمرى ما مثل الدراهم من دواء، وأمر له بثلاثين ألف درهم وخلعة سنية.
وجذبته بغداد على نحو ما جذبت غيره من الشعراء، فولّى وجهه نحوها، وربما كان من أسباب ذلك خروج رفيقيه حماد عجرد ويحيى بن زياد إلى محمد ابن العباس السفاح بالبصرة. ويظهر أن الدواء الذى وصفه له معن بن زائدة عزّ عليه فى أول مقامه ببغداد، مما جعله يقول:
زاد هذا الزمان عسرا وشرّا ... عندنا إذ أحلّنا بغداذا
بلدة تمطر التراب على النا ... س كما تمطر السماء الرّذاذا