للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش تحتم أن تكون هى اللغة الأدبية التى كانت سائدة. أما ما يردده اللغويون من أن القرآن الكريم نزل على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن، وهم الذين يقال لهم عليا هوازن مثل سعد بن بكر بن معاوية وثقيف فذلك فى رأيى إنما هو تفسير منهم للحديث النبوى: «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» فقد فسروا الحرف باللغة أو اللهجة ونظروا فوجدوا لهجات العرب ولغاتها كثيرة، فاختاروا منها سبعا هى أفصحها، وهى التى كان يرحل إليها اللغويون لجمع مادتهم اللغوية الصحيحة، وقد اختلفوا فى بعضها. وفى رأينا أن الحديث لا يراد به تخصيص، وإنما يراد به الترخيص لقبائل العرب أن تقرأه بلهجاتها المختلفة متى جاءت بها الرواية الصحيحة من مد وإمالة وتحريك للحروف وتسكين وتشديد تسهيلا عليهم وتيسيرا حتى لا يجدوا مشقة وثقلا فى نطق بعض ألفاظه.

روى الرواة عن أبى حاتم السجستانى أنه قال فى كتابه الكبير فى القراءات: «قرأ على أعرابىّ بالحرم (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طيبى لهم وحسن مآب) فقلت:

طوبى، فقال: طيبى، فلما طال علىّ قلت: طوطو قال: طى طى (١)».

فلم يستطع أن يثنى طبعه لأن لهجته القبلية فى مثل طوبى مما وزنه فعلى تنطقه طيبى على وزن فعلى بكسر الفاء، فتقلب الواو ياء والضمة فى أول الكلمة كسرة.

ولم ينفع فى الأعرابى لفت أبى حاتم ولا تمرينه له على نطق طوبى. ولمثل ذلك تعددت قراءات القرآن الكريم، تخفيفا للمشقة عليهم فى تلاوته. وفعلا قرأوه بلهجاتهم المرخّص بها، وكان ذلك سبب اختلاف قراءاته التى دونها العلماء.

ونعتقد أن تفسير الحديث بأن القرآن نزل بسبع لغات معينة هى أفصح لغات العرب هو الذى ضلل المستشرقين، فإنهم ظنوا أنه نزل بلغات قبائل نجدية ولم ينزل بلغة قريش، وكأنهم لم يلاحظوا أن نفس هذه القبائل التى عيّنها اللغويون هى أقرب القبائل إلى قريش، ومن هنا جاءت فصاحتها، ولعل ذلك هو الذى جعل الطبرى يذهب إلى أن لغة فريش نفسها كانت تستوعب الأحرف السبعة التى أشار إليها الحديث النبوى. وليس بمعقول أن يترك الرسول لغة قومه الذين بعث فيهم إلى


(١) الخصائص لابن جنى بتحقيق محمد على النجار (طبع دار الكتب المصرية) ١/ ٧٥ - ٧٦

<<  <  ج: ص:  >  >>