للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخضرة والأزهار والرياحين ويتحول إلى المديح بمثل قوله فى الرشيد:

مستنبط عزمات القلب من فكر ... ما بينهنّ وبين الله معمور

فتّ المدائح إلا أن أنفسنا ... مستنطقات بما تحوى الضّمائير

ماذا عسى مادح يثنى عليك وقد ... ناداك فى الوحى تقديس وتطهير

وهو دائما فى مديحه له يمزج بين تصوير حزمه وبصره بالرأى الصائب وحنكته وبين حياطته للدين والرعية وأخذها بالعدل والشفقة والرحمة، على شاكلة قوله:

إمام له كفّ يضمّ بنانها ... عصا الدين ممنوعا من البرى عودها

وعين محيط بالبريّة طرفها ... سواء عليه قربها وبعيدها

وأصمع (١) ... يقظان يبيت مناجيا

له فى الحشا مستودعات يكيدها

سميع إذا ناداه فى قعر كربه ... مناد كفته دعوة لا يعيدها

ونحس فى هذه الأبيات مدى ما كان يأخذ نفسه به من الأناة والجهد العنيف فى تصوير معانيه وصياغتها وكان يعرف كيف يعرض المعنى فى معارض مختلفة، يرفده فى ذلك عقله الاعتزالى الخصب الذى لا يزال يثير فى نفسه الخواطر التى تبهر السامعين من مثل قوله فى الرشيد، معيدا للمعانى السابقة فى هيآت جديدة:

رعى أمّة الإسلام فهو إمامها ... وأدّى إليها الحقّ فهو أمينها

ويستنتج العقماء حتى كأنما ... تغلغل فى حيث استقرّ جنينها (٢)

وما كلّ موصوف له الحقّ يهتدى ... ولا كلّ من أمّ الصّوى يستبينها (٣)

مقيم بمستنّ العلا حيث تلتقى ... طوارف أبكار الخطوب وعونها (٤)

وهو يلاحظ ما يقيم عليه الرشيد حكمه من قواعد الدين الحنيف وما سنه فى حكم الرعية من العدالة وطرق الرشاد ويصور فطنته وحنكته فى حلّ المشاكل


(١) أصمع: يقظ القلب فطن حاذق. يكيدها: يدبرها.
(٢) العقماء: المشكلة العسرة. يستنتج: يستولد.
(٣) أم: قصد. الصوى: الأعلام.
(٤) المستنّ: مكان الاستنان وهو سرعة العدو. الطوارف: الحديثات. العون: جمع عوان ضد البكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>