للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن بشار بن برد ... تيس أعمى فى سفينه

حتى رمى له بشار بالدراهم. وذكر بشار للصبيان يدل على شعبية أبى الشمقمق وأنه كان يشتق شعره من ألفاظ العامة، ولذلك كان سرعان ما يدور على ألسنة الغلمان. ومن طريف هجائه قوله فى بخيل:

كفّاه قفل ضاع مفتاحه ... قد يئس الحدّاد من فتحه

وقوله فى بعض الثقلاء:

أسمج الناس جميعا كلّهم ... كذباب ساقط فى مرقه

ولعل أشعارا له لم تمس قلوب الشعب كما مستها أشعاره التى صوّر فيها فقره وبؤسه، ويروى بأن بعض إخوانه دخل عليه يوما فرأى سوء حاله، فأراد أن يخفف عنه ما هو فيه، فقال له أبشر أبا الشمقمق فانه روى فى بعض الحديث أن العارين فى الدنيا هم الكاسون يوم القيامة، فقال ساخرا: إن كان والله ما تقول حقا لأكونن بزّازّا يوم القيامة، ثم أنشأ يقول:

أنا فى حال تعالى الل‍ ... ربّى أىّ حال

ليس لى شئ إذا قي‍ ... ل لمن ذا؟ قلت: ذا لى

ولقد أهزلت حتى ... محت الشمس خيالى

ولقد أفلست حتى ... حلّ أكلى لعيالى

وله أشعار كثيرة يصور فيها فقره وإقلاله وأنه لا يقتنى حتى ما يكسو به السرير الذى ينام عليه وأنه لا يملك من المتاع شيئا إلا حصيرة وبعض السمار والأطمار الخلقة، يقول:

لو قد رأيت سريرى كنت ترحمنى ... الله يعلم مالى فيه تلبيس (١)

والله يعلم مالى فيه شابكة ... إلا الحصيرة والأطمار والدّيس (٢)


(١) يريد بالتلببيس مايكى به السرير من الحشية والملاءة.
(٢) الشابكة: ما يضم بعضه إلى بعض. الديس: هو المعروف فى مصر باسم السمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>