للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغير علويين، على نحو ما يلقانا عند يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب فى خطبته بين يدى الرشيد حين جلس بين القواد والأمراء والوزراء لأخذ البيعة له، وهو يستهلها على هذا النمط بعد حمد الله والصلاة على رسوله (١):

«إن الله بمنّه ولطفه منّ عليكم معاشر أهل بيت نبيه، بيت الخلافه ومعدن الرسالة، وإياكم أهل الطاعة من أنصار الدولة وأعوان الدعوة من نعمه التى لا تحصى بالعدد، ولا تنقضى مدى الأبد. وأياديه التامة أن جمع ألفتكم وأعلى أمركم، وشدّ عضدكم وأوهن عدوكم وأظهر كلمة الحق وكنتم أولى بها وأهلها، فأعزّكم الله وكان الله قويّا عزيزا، فكنتم أنصار دين الله المرتضى والذّابّين بسيفه المنتضى عن أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، وبكم استنقذهم من أيدى الظّلمة أئمة الجور والناقضين عهد الله والسافكين الدّم الحرام والآكلين الفسئ (٢) والمستأثرين به».

وعلى هذا النحو أصبحت الخطابة الحفلية شيئا نادرا يقال فى الحين الطويل بعد الحين، وبذلك تضاءلت كما تضاءلت الخطابة السياسية ولم يعد لها شأن يذكر.

وقد ظل للخطابة الدينية وما اتصل بها من وعظ ازدهارها فى هذا العصر، وعلى نحو ما كان الخلفاء والولاة يشاركون فيها لعصر بنى أمية كانوا يشاركون فيها أيضا لهذا العهد، إذ نجد للمهدى خطبة بارعة مأثورة (٣)، كما نجد للرشيد خطبة أخرى رائعة، وفيها يقول (٤):

«عباد الله إنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدى، حصّنوا إيمانكم بالأمانة ودينكم بالورع وصلاتكم بالزكاة، فقد جاء فى الخبر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ولا صلاة لمن لا زكاة له». إنكم سفر (٥) مجتازون وأنتم عن قريب تنتقلون من دار فناء إلى دار بقاء، فسارعوا إلى المغفرة بالتوبة وإلى الرحمة بالتقوى وإلى الهدى بالإنابة


(١) تاريخ الطبرى ٦/ ٤٤٢.
(٢) الفئ: غنائم الحرب.
(٣) العقد الفريد ٤/ ١٠١.
(٤) العقد الفريد ٤/ ١٠٢.
(٥) السفر: الجماعة المسافرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>