فى عين الناظر إليه. وأول منازل الحمد السلامة من الذم. . والعامة لا تبصر الجمال، ولفرس رائع كريم أحسن من كل طاووس فى الأرض، وكذلك الرجل والمرأة. وإنما ذهبوا من حسنه إلى حسن ريشه فقط، ولم يذهبوا إلى حسن تركيبه وتنصّبه كحسن البازى وانتصابه، ولم يذهبوا إلى الأعضاء والجوارح وإلى الشيات والهيئة والرأس والوجه الذى فيه. وكان جعفر يقول: لما لم يكن فى الطاووس إلا حسنه فى ألوانه ولم يكن فيه من المحاسن ما يزاحم ذلك ويجاذبه وينازعه ويشغل عنه ذكر وتبين وظهر. وخصال الديك كثيرة وهى متكافئة فى الجمال».
وواضح أن هذه قدرة بارعة فى الجدل وفى تأليف الحجج والأدلة، وهى تدل على ما أصاب العقل العربى حينئذ من رقى جعله يستقصى ما يتحدث عنه أحسن استقصاء وأدقه، استقصاء يحرص فيه المتكلم على التدقيق والتعمق كأشد ما يكون التعمق والتدقيق وكان يصحب ذلك بكثير من الظرف ومن السفسطة التى تدل على ترف العقل وارتفاعه عن الآراء الشائعة، ويصوّر ذلك من بعض الوجوه ما حكاه الجاحظ فى فاتحة كتابه البخلاء عن مذهب من يسمّى باسم الجهجاه «فى تحسين الكذب فى مواضع وفى تقبيح الصدق فى مواضع وفى إلحاق الكذب بمرتبة الصدق وفى حطّ الصدق إلى موضع الكذب وأن الناس يظلمون الكذب بتناسى مناقبه وتذكّر مثالبه ويحابون الصدق بتذكّر منافعه وبتناسى مضاره وأنهم لو وازنوا بين مرافقهما وعدّلوا بين خصالهما لما فرّقوا بينهما هذا التفريق ولما رأوهما بهذه العيون». ويتلو الجاحظ هذا المذهب بمذهب من يسمّى باسم صحصح «فى تفضيل النسيان على كثير من الذكر وأن الغباء فى الجملة أنفع من الفطنة فى الجملة وأن عيش البهائم أحسن موقعا فى النفوس من عيش العقلاء وأنك لو أسمنت بهيمة ورجلا ذا مروءة أو امرأة ذات عقل وهمة وأخرى ذات غباء وغفلة لكان الشحم إلى البهيمة أسرع وعن ذات العقل والهمة أبطأ، ولأن العقل مقرون بالحذر والاهتمام ولأن الغباء مقرون بفراغ البال والأمن، فلذلك البهيمة تقنو شحما فى الأيام اليسيرة، ولا تجد ذلك لذى الهمة البعيدة، ومتوقّع البلاء فى البلاء وإن سلم منه، والغافل فى الرجاء إلى أن يدركه البلاء».
وقد يقال إن هذا التقبيح للأشياء المستحسنة والتحسين للأشياء المستقبحة عرف