فى الأدب الفهلوى القديم، وأن العباسيين تأثروا فى هذا الاتجاه بما كان منه فى هذا الأدب، ونحن لا ننفى ذلك، وإنما نلاحظ أنه حتى إن صح فإن العباسيين توسعوا فى هذا الاتجاه بتأثير مناظرات المتكلمين وما داخلها من سفسطة أحيانا، بحيث أصبح هذا التحسين والتقبيح نمطا من أنماط التفكير العباسى، وبحيث عمّ فى كل شئ، مما هيأ فيما بعد هذا العصر لظهور كتب المحاسن والمساوى. ونضيف أن المتكلمين تأثروا أيضا فى مناظراتهم بما كان فى التراث الفلسفى اليونانى من جدال وحوار، وبخاصة فى المسائل الفلسفية الخالصة، ومعروف أن أفلاطون كان يدير كثيرا من رسائله على الحوار والجدل بين نفر من الفلاسفة، على نحو ما هو معروف فى رسالته أو كتابه الذى سماه المأدبة وفيه جلب سقراط وبعض المتفلسفة ليتحاوروا فى عاطفة الحب، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أن يحيى البرمكى دعا من كانوا يتناظرون بمجالسه فى المسائل الفلسفية والكلامية إلى الحديث عن العشق، وكان حديثا طويلا تبادل هؤلاء المتناظرون آراءهم فيه، وأكبر الظن أنهم سمعوا بمأدبة أفلاطون إن لم يكن بعضهم قد اطلع عليها مترجمة، ولم ينقل لنا جميع هذا الحديث الطريف، إنما نقل بعض ما تحدّث به من شاركوا فى هذه المحاورة البديعة، نقله المسعودى فى كتابه مروج الذهب على هذه الشاكلة (١):
«قال على بن ميثم (المتكلم الشيعى): العشق ثمر المشاكلة وهو دليل على تمازج الروحين، وهو من بحر اللطافة ورقة الطبيعة وصفاء الجوهر، والزيادة فيه نقصان من الجسد.
وقال أبو مالك الحضرمى وهو خارجى المذهب: العشق نفث السحر، وهو أخفى وأحر من الجمر، ولا يكون إلا بازدواج الطبعين وامتزاج الشكلين، وله نفوذ فى القلب كنفوذ صيّب المزن فى خلل الرّمل تنقاد له العقول وتستكين له الآراء.
وقال أبو الهذيل العلاف المعتزلى: العشق يختم على النواظر ويطبع على الأفئدة مرتقى فى الأجساد ومسرعة فى الأكباد، وصاحبه منصرف الظنون متغير الأوهام لا يصفو له موجود، ولا يسلم له موعود، تسرع إليه النوائب. وهو جرعة من نقيع الموت، وبقية من حياض الثكل، غير أنه من أريحية تكون فى الطبع وطلاوة