للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تبادله الإسكندر المقدونى وأرسطو من رسائل وما نقل عن الفلاسفة اليونانيين من أقوال وكذلك ما نقل عن الهنود من حكم وقصص يتصل بتدبير الملك وخاصة كتاب كليلة ودمنة. ومرّ بنا مدى إعجاب يحيى البرمكى بهذا الكتاب مما جعله يطلب إلى أبان بن عبد الحميد أن ينقله شعرا حتى يسهل حفظه، وكان قد نقله ابن المقفع قبل ذلك نثرا، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أنه نقل كثيرا من سير ملوك الفرس وأنظمتهم فى الملك وتدبيرهم فى السياسة والحكم وأن مما نقله «خداى نامه» فى سير ملوكهم و «آيين نامه» فى أنظمتهم و «التاج» فى سيرة كسرى أنوشروان و «الأدب الكبير» و «اليتيمة» و «الصحابة». وأكبّ الكاتب العباسى على هذه الكتب وغيرها مما عرضنا له فى الفصل الثالث كأمثال بزرجمهر وكتاب «جاويدان خرد» فى الآداب والأخلاق و «عهد أردشير بن بابك إلى ابنه سابور».

ولعلنا لا نبالغ إذ قلنا إن المادة الفارسية السياسية والأخلاقية المترجمة كانت من أهم المؤثرات فى رقى الكتابة الديوانية وتطورها، وحقّا أن هذا التأثير بدأ منذ عبد الحميد الكاتب ولكنه لم يبلغ أشده إلا فى هذا العصر إذ اتّسع نقل الآداب الفارسية وكل ما أثر عن ملوك الفرس ووزرائهم من عهود ووصايا ورسائل إلى العمال والولاة، مما سالت مادته الغزيرة فى كتابات الكاتب العباسى، ولعل ذلك ما جعل الجهشيارى يقدم لكتابه الوزراء والكتاب بتمهيد واسع عرض فيه لتدوين الفرس للدواوين ونظمها المختلفة، متحدثا فى ثنايا ذلك عن كتب الأكاسرة إلى عمالهم ومقتبسا فصولا عن سابور إلى ابنه ومر كلام أردشير وكلام أبرويز إلى وزرائه ووصيته لابنه شيرويه ووصية أردشير لوزرائه واستشارة سابور لوزيرين نابهين. وعرض الجهشيارى لبعض رسائل أرسطو للإسكندر، ولبعض وصايا الهند وحكمهم. وفى ذلك كله الدلالة الواضحة على مدى ما كان يأخذ به الكاتب العباسى نفسه من ثقافة سياسية، وخاصة ما كتبه الفرس فى وصاياهم وعهودهم.

وكان لا بد له من إلمام واسع بأخبار العرب وأشعارهم وكل ما يتصل بهم وبخلفائهم.

وكان أحيانا يحسن نظم الشعر ورصفه. ويستشهد به فى رسائله وكلامه، وكذلك كان يحفظ القرآن الكريم ويقتبس منه أحيانا، وأحيانا يحاول مجاراة

<<  <  ج: ص:  >  >>