للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فلان قد استغنى باصطناعك إياه عن تحريكى لك بأمره، لأن الصنيعة حرّمة المصطنع ووسيلة إلى مصطنعه سيّما عند من يحسن الصنيعة ويستتمها، مستثبتا للشكر عليها والثناء الجميل بها، بسط الله بالخير يديك، ووصل به أسبابك وأعانك عليه وجعلك من أهله».

ومن الكتاب المفوّهين حينئذ محمد بن الليث، وفيه يقول صاحب الفهرست:

«كتب ليحيى بن خالد. . ويعرف بالفقيه وكان بليغا مترسلا كاتبا فقيها متكلما بارعا (١)». ومن أروع ما أثر عنه رسالته (٢) التى كتبها للرشيد إلى قسطنطين السادس إمبراطور بيزنطة، وهى تمتد إلى نحو سبعين صحيفة، وفيها يدعوه الرشيد إلى الإسلام، وقد أفاض ابن الليث فى وصف رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وما طوى فيها من الهدى للبشر وإنقاذهم من ظلمة الضلال، كما أفاض فى وحدانية الله ورسالات الأنبياء وهيمنة الإسلام وسلطانه على تلك الرسالات والرسالة أشبه بدفاع قوى عن الإسلام وشريعته، وكأن ابن الليث استمد فيها كثيرا مما كان يجادل به المتكلمون النصارى وأصحاب الملل والنحل من حوله.

وهو تارة يجادل بالمنطق وتارة يجادل بآيات الرسالة الباهرة، ناقضا ما يردده الرهبان من أن عيسى ابن الله وما يكررونه من نظرية الأب والابن والروح القدس، مناقشا فى ثنايا ذلك آيات من الإنجيل ومن العهد القديم، وملوّحا بما سينزله الرشيد فى ديارهم من خراب ودمار، وأن الروم لو تابعوه لعمّ مساكينهم وزرّاعهم وفقراءهم وضعفاءهم من العدل ما يجعلهم يعيشون فى أمن وسلام، ولذاقوا لذة الخفض ودعة الحال ورفاهية العيش والرخاء، ولاستقاموا على الشريعة الصحيحة والتوحيد القويم. ويروى الرواة أن جعفر بن يحيى كتب إلى محمد بن الليث يستوصفه الحطّ، فكتب إليه رسالة بديعة فى الخط والقلم على هذا النمط (٣):

«أما بعد فليكن قلمك بحريّا، لا متينا ولا رقيقا ما بين الرقة والغلظ، ضيق الثقب، وابره بريا مستويا كمنقار الحمامة، واعطف بطنه ورقّق شفتيه، وليكن مدادك فارسيّا خفيفا إذا وزنته، وانقعه ليلة، ثم صفّه فى


(١) الفهرست ص ١٧٥.
(٢) انظر فى هذه الرسالة جمهرة رسائل العرب ٣/ ٢٥٢.
(٣) العقد الفريد ٤/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>