للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدّواة، وليكن قرطاسك رقيقا مستوى النّسج، تخرج السّحاة (١) مستوية من أحد الطرفين إلى آخره، فليست تستقيم السطور إلا فيما كان كذلك، وليكن أكثر تمطيطك فى طرف القرطاس الذى فى يسارك، وأقله فى الوسط، ولا تمطّ فى الطرف الآخر، ولا تمط كلمة ثلاثة أحرف ولا أربعة، ولا تترك الأخرى بغير مطّ، فإنك إذا قرنت القليل كان قبيحا، وإذا جمعت الكثير كان سمجا. ثم ابتدئ الألف برأس القلم كله واخططه بعرضه واختمه بأسفله. واكتب الياء والتاء والسين والشين والمطّة العليا من الصاد والضاد والطاء والظاء والكاف والعين والغين ورأس كل مرسل برأس القلم. واكتب الجيم والحاء والخاء والدال والذال والراء والمطة السفلى من الصاد والضاد والطاء والظاء والكاف والعين والغين بالسن السفلى من القلم. وامطط بعرض القلم، والمط نصف الخط، ولا يقوى عليه إلا العاقل، ولا أحسب العاقل يقوى عليه أيضا إلا بالنظر إلى اليد فى استعمالها الحركة، والسلام».

وإنما نقلنا هذه الرسالة بطولها، لندل على مدى احتفال الكتاب باختيار الأقلام وبجودة الخط، حتى تجرى الأقلام فى القراطيس جريان لماء، وحتى يروع الخط برونقه وبهائه، وحتى الحروف ومطاتها العليا والسفلى، كل ذلك يكتب بقسطاس. ولا بد من أن تكون السطور معتدلة متناسقة، وقطع القراطيس مقطوعة بانتظام، حسنة النسج والهندام، ولا بد للكاتب من أن يراعى مواضع سنّ القلم من كتابة الحروف، ولا بد من أن يراعى التوازن فى مدات هذه الحروف ومطاتها. وبأيدى محمد بن الليث وغيره من الكتاب فى العصر العباسى تطوّر الخط العربى وارتقت صناعته رقيا بعيدا، وهو رقى كان يرافق احتفالهم بألفاظهم وأساليبهم ومعانيهم حتى تصبح الكتابة كأنها وشى خالص، وشى فى العين، ووشى فى السمع، ووشى فى العقل والذهن.

وكان يكتب لجعفر بن يحيى البرمكى أنس بن أبى شيخ، وقد سلكه ابن النديم فى البلغاء العشرة الأول فى العصر، وفيه يقول الجاحظ: «كان زكيا فهما نفى الألفاظ جيد المعانى حسن البلاغة (٢)» وعدّه الرشيد شريك جعفر


(١) السحاة: القطعة من القرطاس.
(٢) الجهشيارى ص ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>