للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى إثمه، فلماذا أذاقه نفس المصير وصلبه. ويؤثر من تحميداته قوله (١):

«الحمد لله الذى بالقلوب معرفته، وبالعقول حجّته، الذى بعث محمدا صلى الله عليه أمينا فوفّى له، ومبلّغا فأدّى عنه، فحجّ به المنكر، وتألّف به المدبر، وثبّت به المستبصر، إلى أن توفّاه على منهاج طاعته، وشريعة دينه ثم أورثكم عهده، وخصّكم بكلمة التقوى، وجعلكم الأمة الوسطى».

والسجع واضح فى هذا التحميد، ولعل فى ذلك ما يؤكد من بعض الوجوه ما قلنا من أن البرامكة أشاعوا فى كتّاب دواوينهم ذوق التسجيع، وإن لم يطّرد فى جميع رسائلهم وآثارهم، لكنه على كل حال أخذ يشيع فى كتاباتهم، وقد عمل فى دواوينهم ودواوين الرشيد كثير من الكتّاب الذين لمعت أسماؤهم فيما بعد مثل الفضل بن سهل وأخيه الحسن ومثل سهل بن هرون وعمرو بن مسعدة.

ومن الكتاب الذين اشتهروا فى عهد الرشيد قمامة بن أبى يزيد، وكان يكتب أولا لصالح (٢) بن على، ثم أصبح كاتبا للقاسم (٣) بن الرشيد، ثم اختص بعبد الملك بن صالح والى الرشيد على الجزيرة والشام ومصر. وسعى على عبد الملك إلى الرشيد وثبت كذبه فقتله صبرا سنة ١٧٨ للهجرة. وكان لسنا فصيحا بليغا، ومما أثر له قوله من رسالة وجهها-فيما يبدو-عن عبد الملك بن صالح إلى الرشيد (٤):

«كل ما قبلنا وما يتناهى إلينا من ثغور أمير المؤمنين وأطرافه وبلاده أقصاها وأدناها فى صلاح ذلك كله واستقامته وهدوئه على أفضل ما عوّد الله أمير المؤمنين فيه العلوّ والعافية، وأنا أحتذى فيه من أمير المؤمنين أمرين: إما تقدمة عرّفنى فيها رأيه فأنا ألزمها ولا أعدل عنها، وأما أثر قد نهجه أمير المؤمنين فأنا أركبه وأتبعه ولا أفارقه. فعلى هذا-بحول الله-قوتى ومعتمدى، قد كفى الله به فى الهداية، وأعطى فيه الخير والمنّ والسعادة، فله الحمد والشكر».

وممن عرفوا لعصر الرشيد بالكتابة البليغة جعفر بن محمد بن الأشعث، وكان


(١) جمهرة رسائل للعرب ٣/ ١٩١.
(٢) الجهشيارى ص ٢٦٢ وانظر الفهرست ص ١٧٣.
(٣) الجهشيارى ص ٢٦٥.
(٤) جمهرة رسائل العرب ٣/ ٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>