للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت نفسك وبدنك وأحكمت أمور سلطانك» وشاعت هذه الوصية فى الناس، فكتبوها وتدارسوها، وسمع بها المأمون، فطلبها، ولما قرأها قال ما أبقى طاهر شيئا من أمر الدين والدنيا والتدبير والرأى والسياسة وإصلاح الملك والرعية وحفظ البيضة وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلا وقد أحكمه وأوصى به. وأمر أن تكتب منها نسخ وترسل إلى جميع العمال فى نواحى الأعمال.

وكان ابنه عبد الله (١) بارع الآداب حسن الشعر، وقد عنى بتأديبه فى صغره، واختلافه إلى حلقات المحدثين والفقهاء، وكانت فيه نزعة قوية إلى الفنون، فلم يكتف بالشعر، بل حذق بجانبه الموسيقى، وروى أبو الفرج أصواتا تؤثر له. وقلده المأمون الأعمال الجليلة، فجلّى فيها، وكان أول ما قلّده الجزيرة والرقة، فقمع المفسدين فيهما، ثم ولاه مصر سنة إحدى عشرة ومائتين فلمّ ما كان بها من شعث ومهّدها ورتب شئونها، حتى إذا انتظمت أمورها غادرها سنة اثنتى عشرة ومائتين مستخلفا عليها عيسى بن يزيد الجلودى. وتوفى أخوه طلحة والى خراسان فولاه المأمون عليها سنة ٢١٣ وظلت له ولايتها حتى توفى سنة ٢٣٠. وكان بحرا فياضا، كما كان كاتبا بارعا، وله أمان طريف (٢) كتبه فى ولايته على الجزيرة لنصر بن شبث حين ضيّق عليه وعاذ بالأمان وطلبه، ويقال إنه لم يطلبه إلا بعد أن كتب إليه وقد اعتصم منه بأحد الحصون (٣) «اعتصامك بالقلال (٤)، قيّد عزمك عن القتال، والتجاؤك إلى الحصون، ليس ينجيك من المنون، ولست بمفلت من أمير المؤمنين فإما فارس مطاعن أو راجل مستأمن». فلما قرأ هذه الرسالة حصره الرعب عن الجواب، فلم يلبث أن طلب الأمان وخرج من حصنه إلى عبد الله بن طاهر مستأمنا صاغرا، فوجّه به إلى بغداد.

ونمضى إلى عصر المعتصم والواثق، وفيه يتألق فى الكتابة البليغة اسم ابن


(١) انظر فى ترجمة عبد الله كتب التاريخ والنجوم الزاهرة ٢/ ١٩١ وما بعدها ووفيات الأعيان/٣٢٧.
(٢) تاريخ الطبرى ٧/ ١٧٣.
(٣) زهر الآداب ٤/ ١٢٦.
(٤) القلال: أعالى الجبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>