للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخيه الحسن وتوفّى قبل دخول المأمون بغداد، وعمل ابنه سليمان فى دواوين المأمون. ولا نشك فى أن الحسن أخاه هو الآخر اشتغل فى تلك الدواوين، وعرف ابن الزيات حذقه فى الكتابة فأسند إليه ديوان الرسائل، ونهض به خير نهوض، ويقول ابن النديم: «كان شاعرا مترسلا فصيحا وأحد ظرفاء الكتاب، وله ديوان كتاب رسائله». وقد عاش شطرا فى العصر العباسى الثانى، ولكنه أبعد عن الديوان منذ نكبة ابن الزيات لأول عصر المتوكل، ولذلك لم نؤخره إلى هذا العصر، فنشاطه الكتابى إنما كان فى وزارة ابن الزيات وعصر المعتصم والواثق. ومع ذلك ليس بين أيدينا رسائل ديوانية له، سوى ما تبادله مع ابن الزيات فى المودة والتزاور والشكر، وهما تارة يتكاتبان شعرا وتارة يتكاتبان نثرا، وله بجانب ذلك بعض رسائل فى التعزية، ونحن نسوق له رسالة فى الشكر لندل بها على مقدار بلاغته وحسن بيانه، وهى تجرى على هذا النمط (١):

«من شكرك على درجة رفعته إليها، أو ثروة أفدته إياها، فإن شكرى لك على مهجة أحييتها وحشاشة (٢) أبقيتها، ورمق أمسكت به وقمت بين التلف وبينه، فلكل نعمة من نعم الدنيا حد ينتهى إليه، ومدى يوقف عنده، وغاية من الشكر يسمو إليها الطرف، خلا هذه النعمة التى قد فاقت الوصف، وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر، وأنت من وراء كل غاية. رددت عنا كيد العدو، وأرغمت أنف الحسود، فنحن نلجأ منك إلى ظل ظليل وكنف كريم، فكيف يشكر الشاكر وأنّى يبلغ جهد المجتهد».

ولم نتحدث حتى الآن عن التوقيعات، وهى عبارات موجزة بليغة، تعودّ ملوك الفرس ووزراؤهم أن يوقّعوا بها على ما يقدّم إليهم من تظلمات الأفراد فى الرعية وشكاواهم، وحاكاهم خلفاء بنى العباس ووزراؤهم فى هذا الصنيع، وكانت تشيع فى الناس ويكتبها الكتّاب ويتحفظونها، وقد سموا الشكاوى والظلامات بالقصص لما تحكى من قصة الشاكى وظلامته، وسموها بالرقاع تشبيها لها برقاع الثياب. ودارت فى الكتب الأدبية توقيعات كثيرة أثرت لكل خليفة عباسى وكل وزير خطير، من ذلك توقيع السفاح فى كتاب جماعة من


(١) العقد الفريد ٤/ ٢٣٣.
(٢) الحشاشة: بقية الروح.

<<  <  ج: ص:  >  >>