وإنما المدار على ما يقود إليه فإن قاد إلى حسن أخذ به وإن قاد إلى قبيح ترك، إذ المراد ليس عين القياس، وإنما المراد إحقاق الحق لأهله. ولعل هذه الدعوة إلى إصلاح التشريع وجمع السنن والأحكام والأقضية ووضع قانون عام للقضاء هى التى دفعت المنصور ليطلب إلى مالك أن يؤلف فى الفقه كتابه «الموطأ» قد قال له: إنى أريد أن ترسل لى به لأكتب منه نسخا يرجع إليها الناس فى الأمصار، غير أن مالكا لم يرتض الفكرة، لأن المسلمين فى كل بلد رووا من السنة النبوية ما دانوا به، غير أنه ألف «الموطأ» وذاعت أحكامه الفقهية فى الحجاز، وفى كثير من الأمصار وخاصة فى مصر والمغرب والأندلس. ويدعو ابن المقفع بعد ذلك المنصور إلى العطف على أهل الشام مع ما يكنّونه للدولة من عداوة، لسلبها السلطان منهم، وأن يصطنع خيارهم، فيتبعهم فى محبة الدولة غيرهم، وتأخذ دائرة هذه المحبة فى الاتساع. ويطلب إليه أن يردّ عليهم فيئهم، حتى يذعنوا للدولة عن رضا، وحتى تهدأ نفوسهم فلا تكون منهم وثبات ولا ثورات. ويتحول ابن المقفع إلى بطانة الخليفة ورجال دولته ويطلب إليه أن يعيد النظر فيهم، فإن بينهم كثيرين ليسوا بذوى بلاء ولا فيهم غناء، بل بينهم من اشتهروا بالفجور والأعمال القبيحة، مع أن منهم من يصرّف أمور الدولة ومن يعمل فى دواوينها. . وحرى بالخليفة أن يجعل أساس اختياره لحاشيته الأمانة، والعدالة وجودة الرأى وأن لا يقرّب منه إلا من صنع مكرمة عظيمة أو أبلى بلاء حسنا، أو عرف بأصالة رأيه وحصافته أو كان عالما ينتفع الناس بعلمه، وعليه أن يجعل لكل منهم اختصاصا فى عمله لا يتعداه. ونصحه بأن يستخدم أهل بيته ويسند إليهم جسام الأمور والأعمال. ثم وقف عند الخراج أو بعبارة أخرى الضرائب المفروضة على الأراضى والضياع فى الدولة، ولفت المنصور إلى ما فيها من فوضى، إذ ليست هناك قواعد مقررة، وكل عامل يفرض الضريبة حسب مشيئته، ودعاه إلى وضع وظائف ثابتة على كل أرض وكل ضيعة، وبذلك يقف ظلم العمال ويأمن الزراع على عمارة ضياعهم وأراضيهم، كما دعاه إلى تخير عمّال الخراج وتفقّدهم واستبدال من تظهر عليه خيانة. وتحدث عن أهل الجزيرة العربية من الحجاز واليمن ومن وراءهم من البدو، وطلب إلى