كعين الديك فى الصفاء، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم أر عظما قط أهش تحت الأسنان من عظم رأسه، فهلا إذ ظننت أنى لا آكله ظننت أن العيال يأكلونه؟ وإن كان بلغ من نبلك أنك لا تأكله فإن عندنا من يأكله، أما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن الساق والعنق؟ انظر أين هو؟ قال: والله ما أدرى أين رميت به، قال سهل: لكنى أدرى أنك رميت به فى بطنك، والله حسيبك».
ولعل فى هذه النادرة وسابقتها ما يدل على ظرفه، وهو ظرف كان يشوبه بالفكاهة الحلوة أحيانا، وأحيانا بالسخرية المرة، من ذلك أنهم قصّوا عنه أنه حدّث بعض الأمراء، فقال له كذبت، فأجابه على البديهة: إن وجه الكذاب لا يقابلك، يعنى أن الأمير هو الكذاب، لأن وجه الإنسان لا يقابله. وطلب إليه أبو الهذيل العلاّف المتكلم المشهور أن يكتب له رسالة إلى الحسن بن سهل يوصيه فيها به، فلبّى طلبه، ولما تقدم بها إلى الحسن وفضّها وقرأ ما فيها أغرب فى الضحك، إذ وجد سهلا ينهاه عن أن يمدّ لأبى الهذيل العون بأبيات تتحيّفه وتقبض يد قارئها عن مساعدته، استهلّها بقوله:
إن الضمير-إذا سألتك حاجة ... لأبى الهذيل-خلاف ما أبدى
فامنحه روح اليأس ثم امدد له ... حبل الرّجاء بمخلف الوعد
حتى إذا طالت شقاوة جدّه ... وعنائه فاجبهه بالرّدّ
وقال الحسن: هذه صفته لا صفتنا، وأمر لأبى الهذيل بمال، فعاد إليه، وعاتبه، فقال سهل: ترى أين عزب عنك الفهم، أما سمعت قولى: «إن الضمير خلاف ما أبدى، فلو لم يكن ضميرى الخير ما قلت هذا. وهى مغالطة واضحة، غير أنها تدل على قدرته العقلية فى الإتيان بالحجة الصحيحة تارة، والحجة المدخولة تارة ثانية.
وكان سهل يحسن القول نثرا وشعرا، وفيه يقول الجاحظ: «ومن الخطباء الشعراء الذين جمعوا الشعر والخطب والرسائل الطوال والقصار والكتب الكبار المجلدة والسّير الحسان المدّونة والأخبار المولّدة سهل بن هرون بن راهبونى الكاتب صاحب كتاب ثعلة وعفراء فى معارضة كتاب كليلة ودمنة، وكتاب الإخوان وكتاب المسائل