يقربها ولا أن يتجاوز موضعه، لخضوع الجزيرة وكل ما بها من وحش لملك طاغ باغ هو النمر الذى تجبّر وتكبر. وقال له: إننى لا أكلمك الآن إلا فزعا مرتعبا خشية أن يرانا، فلننصرف، ولنلتق غدا فى مكان خفىّ، فالتقيا، وأشار عليه الثعلب أن يقدم على النمر فيتلطف له ويطلب منه ولاية فى الجزيرة يقوم على حكمها ويشاطره خيراتها، ويتخذ منه وزيرا يعينه على إدارتها. ويبدى الذئب خوفه من لقاء الملك الباطش، وما يزال يشجّعه حتى يلقاه. ويعجبه حديثه وما عرض عليه، فيعيّنه واليا على مناهل الظباء. ونحن نسوق هذه القطعة من القصة لندل على أسلوب سهل وطريقته فى هذا القصص الحيوانى الخيالى، وهى تحكى ما حدث بعد لقاء الثعلب للذئب فجأة واتفاقهما على اللقاء، وما كان بينهما من حوار فى هذا اللقاء، وما أثمر الحوار للذئب من الولاية وللثعلب من الوزارة:
«انصرف الثعلب حزينا مغتمّا لما حزره من عداوة النمور وعدم القوت، ثم فكر فقال: إنما يعرف فضل عقل المرء فى شدائد الأمور ونوازل الخطوب، فأما عند الرخاء فما أقرب الجاهل من العالم والأحمق من العاقل، وذلك أن مساعدة الدنيا للجاهل ساترة لنقصه عن زيادة العاقل وحاجبة عن التمييز بينه وبين اللبيب وليس لمثلى قوة على صيد الظباء وبقر الوحش، وإنما يصيد كل امرئ [على] قدره، وليس ههنا إلا طلب الحيلة. فلما أصبح الصبح قصد المكان الذى وعد الذئب فيه والتقيا هنالك عن رقبة (تحفظ) من النمر، فقال له الثعلب» يا أبا الفرّاء كنت مهموما بنفسى، فزادنى اهتماما ما أبثثتنى من حديثك وألقيت إلىّ من سوء حالك، وههنا تدبير إن أعنتنى عليه بهمة صادقة، فلعله أن يعود إلى صلاح، فقال الذئب: وما هو؟ قال الثعلب: ائت النمر، فسله أن يوليك ولاية تردّ عليك نفعا وتردّ لك ذكرا وتكسبك حمدا، قال الذئب: فأين ما أخبرتك عن بخله وشراسة خلقه، وإنه لكما قال القائل: سواء هو والعدم، قال الثعلب: فأعلمه أنك لا تفيد شيئا إلا بعثت إليه بشطره فإن لك فيما يبقى منتفعا وصلاحا، فإن أجابك فلن تعدم منى معونة حسنة وقاما بالذى يجب، وكن كما قال الشاعر:
وليس الرزق عن طلب له حثيث ... ولكن ألق دلوك فى الدّلاء