للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجئك بملثها طورا وطورا ... تجئ بحمأة وقليل ماء (١)

قال الذئب: يا أبا الصّباح إنه كان يقال: اتقوا مقارفة (٢) الحريص الغادر، فإنه إن رآك فى القوة رأى منك أخبث حالاتك. وإن رآك فى الفضول (٣) لم يدعك وفضولك، قال الثعلب: يا أبا الفراء: إنه ليس الرأى. . من عاش غير خامل الذكر والمنزلة إذا أفضل على نفسه وأصحابه فهو وإن قلّ عمره طويل العمر، ومن كان عيشه فى ضيق وقلّ خيره على نفسه وعلى الناس فهو وإن طال عمره قصير العمر. قال الذئب: إنه كان يقال: أمور ثلاثة لا يجترئ عليها إلا أهوج ولا يسلم منها إلا قليل: صحبة السلطان وائتمان النساء على الأسرار وشرب السمّ على التجربة. قال الثعلب: قد يبلغ الخضم بالقضم (٤)، ويركب الصعب من لا ذلول له. وليس يواظب على باب السلطان أحد، فيلقى عن نفسه الأنفة ويتحمل الأذى ويكظم الغيظ ويرفق بالناس إلا خلص إلى حاجته من السلطان. قال الذئب: إنه كان يقال: لا تغتبط بسلطان من غير عدل، ولا بغنى من غير فضل، ولا ببلاغة من غير صدق، ولا بجود من غير إصابة، ولا بحسن عمل من غير خشية. قال الثعلب: إنه ينبغى للعاقل أن يدارى الزمان مداراة الرجل السابح فى الماء الجارى، وقال المتمثل: أرضى من المركب بالتعلق. قال الذئب: السبب الذى يدرك به العاجز حاجته هو السبب الذى يحول بين الحازم وطلبته. قال الثعلب: المال زيادة فى القوت والرأى، وليس الإخوان والأهل والأعوان إلا مع المال، ولا يظهر المروءة إلا المال، لأن من لا مال له إذا أراد أن يتناول أمرا قعد به العدم فقصّر عنه. قال الذئب: إنّ للسلطان سكرات، فمنها الرضا عن بعض من يستوجب السخط، والسخط عمن يستوجب الرضا، ولذلك قيل: قد خاطر من لجّج فى البحر، وأشدّ منه مخاطرة من صاحب السلطان. قال الثعلب: من لم يركب الأهوال على صعوبتها لم ينل الرغائب، ومن ترك الأمر الذى لعله أن يبلغ فيه حاجته مخافة ما لعله يوقّاه فليس ينال


(١) الحمأة: الطين الأسود.
(٢) مقارفة: مخالطة.
(٣) الفضول: جمع فضل وهو النعمة.
(٤) مثل معناه أن الغاية البعيدة قد تدرك بالرفق. وأصل الخضم الأكل بجميع الفم، والقضم: الأكل بأطراف الأسنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>