للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعربية وبالقرآن والشعر وبأيام العرب وأيام الناس وكانت كتبه التى كتبها عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السقف. . ثم إنه تقرّأ أى تنسك فأحرقها (١)» وهو إحراق لا يغير من الأمر شيئا فإن ما رواه حمله عنه تلاميذه البصريون، وكان إمامهم وقدوتهم. ويحكى عنه أنه قال: «ما زدت فى شعر العرب إلا بيتا واحدا، يعنى ما يروى للأعشى من قوله:

وأنكرتنى وما كان الذى نكرت ... من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا (٢)»

وحاول بعض الباحثين التشكيك فى روايته لهذا الاعتراف (٣)، وهو اعتراف يوتق روايته ويزيدها قوة، وفى سيرته ما يدل دلالة قاطعة بأنه كان ثقة؛ فقد كان تقيا صالحا، وكان أحد الأعلام الذين أخذت عنهم تلاوة القرآن الكريم. أما حماد رأس رواة الكوفة فكان من الموالى، ولد سنة ٩٥ للهجرة، وتوفى سنة ١٥٦ وقيل بل سنة ١٦٤ ويقال إنه: «كان فى أول أمره يتشطر ويصحب الصعاليك واللصوص، فنقب ليلة على رجل، فأخذ ماله، وكان فيه جزء من شعر الأنصار، فقرأه حماد، فاستحلاه وتحفظه، ثم طلب الأدب والشعر وأيام الناس ولغات العرب بعد ذلك وترك ما كان عليه، فبلغ فى العلم ما بلغ (٤)» وربما كان مما يصور هذا العلم ومداه ما يروى عن مروان بن أبى حفصة من قوله: «دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثقفى والحسين بن مطير الأسدى فى جماعة من الشعراء على الوليد ابن يزيد (١٢٥ - ١٢٦ هـ‍) وهو فى فرش قد غاب فيها، وإذا رجل عنده كلما أنشد شاعر شعرا وقف الوليد بن يزيد على بيت بيت من شعره وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من موضع كذا وكذا من شعر فلان، حتى أتى على أكثر الشعراء، فقلت: من هذا؟ فقالوا حماد الراوية (٥)» ويروى عن الهيثم بن عدى أنه كان يقول: «ما رأيت رجلا أعلم بكلام العرب من حماد (٦)» وهذه المعرفة الواسعة بكلام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها وأيامها جعلتهم يطلقون


(١) انظر البيان والتبيين ١/ ٣٢١.
(٢) الأغانى (طبعة دار الكتب) ٣/ ١٤٣
(٣) انظر مقالة مرجليوث of Arabic Foetry The Origins فى صحيفة الجمعية الآسيوية الملكية عدد يولية سنة ١٩٢٥ ص ٤٢٩ وتاريخ الأدب العربى لبلاشير ١/ ١١١.
(٤) الأغانى ٦/ ٨٧.
(٥) الأغانى ٦/ ٧١.
(٦) انظر ترجمته فى معجم الأدباء لياقوت ١٠/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>