للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسم الراوية علما عليه، ويروى أن الوليد بن يزيد سأله بم استحققت هذا اللقب فقيل لك الراوية؟ فقال: «بأنى أروى لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروى لأكثر منهم ممن تعرف أنك لم تعرفه ولم تسمع به، ثم لا أنشد شعرا قديما ولا محدثا إلا ميزت القديم منه من المحدث، فقال الوليد: إن هذا العلم وأبيك كثير، فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ قال كثيرا، ولكنى أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مئة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام، قال: سأمتحنك فى هذا، وأمره بالإنشاد، فأنشد الوليد حتى ضجر، ثم وكّل به من استحلفه أن يصدقه عنه، ويستوفى عليه، فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهليين، وأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمئة ألف درهم (١)» وقد يكون فى هذا الخبر ضرب من المبالغة، غير أنه يصور مدى ما استقر فى أذهان معاصريه عن معرفته وروايته للشعر الجاهلى.

ومن سوء حظ الكوفة أن كان هذا الراوية البارع فاسد المروءة فاسقا ماجنا زنديقا (٢)، وكان شاعرا يحسن صوغ الشعر وحوكه (٣) فكان ينظم على لسان الجاهليين ما لم ينطقوا به، وكثر منه ذلك حتى عرف به واشتهر، يقول الأصمعى: جالسته فلم أجد عنده ثلاثمائة حرف ولم أرض روايته، ويقال إنه مدح بلال بن أبى بردة المتوفى بعد سنة ١٢٦ بقصيدة، وكان ذو الرمة حاضرا، فقال له: إنها ليست لك، وسرعان ما اعترف بأنها جاهلية (٤) ويقال إنه قدم عليه مرة، فقال له: ما أطرفتنى شيئا؟ فعاد إليه فأنشده القصيدة التى فى شعر الحطيئة بمديح أبى موسى الأشعرى (جد بلال) فقال بلال: ويحك يمدح الحطيئة أبا موسى ولا أعلم به وأنا أروى شعر الحطيئة! ولكن دعها تذهب فى الناس (٥)، وقصته فى مجلس أمير المؤمنين المهدى مع المفضل الضبى مشهورة، فقد زاد ثلاثة أبيات فى مطلع قصيدة زهير: (دع ذا وعد القول فى هرم) فأنكرها المفضل ولما سأله عنها المهدى بكل يمين محرجة


(١) الأغانى ٦/ ٧١ ومعجم الأدباء ١٠/ ٢٥٩
(٢) الحيوان ٤/ ٤٤٧ والأغانى ٦/ ٧٤ وأمالى المرتضى ١/ ١٣١ ولسان الميزان ٢/ ٣٥٣ ٣/ ١٧٣.
(٣) المزهر ٢/ ٤٠٦ حيث يذكر أن الأصمعى روى شيئا من شعره وانظر الأغانى ٥/ ٢٠٩ حيث يروى له أبياتا محكمة الصنعة.
(٤) الأغانى ٦/ ٨٨.
(٥) طبقات فحول الشعراء ص ٤٠ - ٤١ وحاول ناصر الدين الأسد أن يصحح نسبة القصيدة للحطيئة لرواية المدائنى ورواة ديوان الحطيئة لها، ولكن ذلك لا يكفى لصحة نسبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>