للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعترف بأنه أضافها من عنده، فأمر المهدى أن ينادى فى الناس بإبطال روايته لكذبه وبصحة رواية المفضل مواطنه (١). وحاول بعض الباحثين التشكيك فى القصة (٢)، لأن المهدى ولى سنة ١٥٨ بعد وفاة حماد، ولكن هناك من تأخروا بوفاته إلى سنة ١٦٤ كما قدمنا، وربما أخطأ الرواة فى تعيين الزمن والمكان، إذ ذكروا أن القصة حدثت فى قصر عيساباذ الذى بناه المهدى فى سنة ١٦٤ بينما أرخوا لها بسنة ١٥٨. وحتى على فرض بطلان هذه القصة فإن هذا البطلان لا يدفع التهمة عن حماد، كما لا يدفعها ما يذكره بعض هؤلاء الباحثين من أن اتهامه الواسع قد يرجع إلى المنافسة بين البصرة والكوفة، فسيرته كانت سيرة شخص سيئ السيرة خلقيا ودينيا، وما كان ابن سلام البصرى ليقول فيه: «كان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها حماد الراوية، وكان غير موثوق به: كان ينحل شعر الرجل غيره، وينحله غير شعره ويزيد فى الأشعار (٣)» بعامل المنافسة العصبية. ونفس البصريين الذين اتهموه وثقوا رواية مواطنه ومعاصره المفضّل الضبى. فليست المسألة مسألة منافسة بين بلدين، وإنما هى حقيقة واقعة ونفس الرواة الأثبات من بلدته كانوا يشركون البصريين فى نفس التهمة، فابن الأعرابى الكوفى يروى عن المفضل أنه قال: «قد سلّط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده، فلا يصلح أبدا، فقيل له وكيف ذلك؟ أيخطئ فى روايته أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، لا، ولكنه رجل عالم لغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله فى شعره ويحمل ذلك عنه فى الآفاق فتختلط أشعار القدماء لا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك (٤)؟ ».

فالتهمة لم تكن بصرية خالصة، بل كانت بصرية كوفية، وربما بالغ بعض البصريين فقال عنه إنه كان يلحن ويكسر الشعر ويصحف ويكذب (٥)، ولكن


(١) الأغانى ٦/ ٨٩ وما بعدها.
(٢) انظر مقدمة لايل المفضليات ص ١٨ ما بعدها ومقالة برينلش فى مجلة O .L .Z . عدد ١٩٢٦ ص ٨٢٩ وما بعدها ومصادر الشعر الجاهلى ص ٤٤٢.
(٣) ابن سلام ص ٤٠.
(٤) الأغانى ٦/ ٨٩ ومعجم الأدباء ١٠/ ٢٦٥
(٥) الأغانى ٦/ ٨٩ وانظر ٨/ ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>