للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد تجريد التهمة من مبالغاتها تظل عالقة به. ولذلك ينبغى أن لا نقبل شيئا مما يروى دون أن يأتينا عن الرواة الثقات، وكذلك ينبغى أن نتشكك فيما يرويه تلاميذه مثل ابن كناسة المتوفى سنة ٢٠٧ وخلف الأحمر راوية البصرة المشهور إذ كان قد أكثر الأخذ عنه (١)، ويروى أنه كان يعطى حمادا المنحول فيقبله منه ويرويه (٢).

ومن رواة الكوفة الذين عاصروا حمادا واشتهروا بالوضع برزخ العروضى وكان من أكذب الناس فى الرواية (٣) ومثله جنّاد وكان يخلط فى الأشعار ويصحف ويلحن (٤). وإذا كانت الكوفة أصيبت بمثل هؤلاء الرواة الوضاعين الذين ينحدرون من أصول غير عربية فقد كان من ورائهم رواة ثقات على رأسهم المفضل بن محمد ابن يعلى الضبى المتوفى حوالى سنة ١٧٠ للهجرة وكان عالما علما دقيقا بأشعار الجاهلية وأخبارها وأيامها وأنساب العرب وأصولها، ويجمع الرواة كوفيين وبصريين على توثيقه، وقد خلف مجموعة كبيرة من أشعار الجاهليين هى الملقبة بلقب المفضليات، وهى أروع ما بأيدينا من نصوص الشعر الجاهلى ووثائقه التى لا يرقى إليها الشك.

وإذا ولينا وجوهنا نحو البصرة فى الحقبة التى تلت أبا عمرو بن العلاء وجدنا بها خلفا الأحمر الذى تسدّد إليه سهام الاتهام، ولم يكن يقل عن حماد فى معرفته بأشعار العرب وأخبارها، بل لعله يتقدمه، إذ كان شاعرا مبرّزا، وكان بصيرا بالشعر، وأصل أبويه من فرغانة فهو من الموالى، ولد سنة ١١٥ للهجرة وتوفى حوالى سنة ١٨٠ وفيه يقول ابن سلام: «اجتمع أصحابنا أنه كان أفرس الناس ببيت شعر وأصدقهم لسانا، وكنا لا نبالى إذا أخذنا عنه خبرا أو أنشدنا شعرا ألا نسمعه من صاحبه (٥)» غير أن شهادة ابن سلام له لا تعفيه من التهمة الشديدة التى سلّطت على روايته، وقد شهد هو نفسه بها إذ زعم كما قدمنا أنه كان يعطى حمادا المنحول من الشعر ويزيفه عليه فيرويه، ويقال إنه هو الذى وضع اللامية المنسوبة إلى الشّنفرى (٦):


(١) مراتب النحويين ٤٧، ٧٢.
(٢) الأغانى ٦/ ٩٢.
(٣) إنباه الرواة ١/ ٣٦٧ والفهرست (طبعة دار) ص ١٠٧.
(٤) انظر ترجمته فى معجم الأدباء لياقوت وراجع الفهرست ص ١٣٥.
(٥) ابن سلام ص ٢١.
(٦) الأمالى ١/ ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>