للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من البدو، واشتدت شوكته، فزحف بجموعه على دمشق وخافه أهلها فصالحوه على خراج يؤدونه إليه. وتقدّم إلى حمص، فتغلب عليها، وخطب له على منابرها باسم المهدى المنتظر، ثم سار إلى حماة والمعرة وبعلبك يقتل ويسفك الدماء وينهب. ونزل سلمية، وبدأ بقتل من بها من بنى هاشم ثم قتل أهلها أجمعين حتى صبيان الكتاتيب، ولم يبق بها عينا تطرف (١). ويظهر أنه كان يريد القضاء على الأئمة المستودعين من أسرة القداحين ومن وراءهم من الأئمة المستورين إن كان يوجد أحد منهم حقّا، حتى يصفو الجو له ولإمامته ودعوته وخلافته، ونرى الطبرى يحتفظ بكتاب منه إلى بعض عماله يستهله على هذا النمط: «بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أحمد بن عبد الله المهدى، المنصور بالله، الناصر لدين الله، القائم بأمر الله، الحاكم بحكم الله، الداعى إلى كتاب الله، الذابّ عن حرم الله، المختار من ولد رسول الله، أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، ومذلّ المنافقين، خليفة الله على العالمين، وحاصد الظالمين، وقاصم المعتدين، ومبيد الملحدين، وقاتل القاسطين، ومهلك المفسدين، وسراج المبصرين، وضياء المستضيئين، ومشتت المخالفين، والقائم بسند سيه المرسلين، وولد خير الوصيين، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين، وسلّم كثيرا. . .» (٢).

وواضح أن الحسين بن زكرويه لم يكتف بأن يكون إماما مستودعا مثل القداحين، بل رأى أن يكون الإمام المستور نفسه. ولذلك ادّعى له نسبا إلى محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق، وتلقب بالمهدى وخليفة الله أمير المؤمنين. وفرّ منه عبيد الله المهدى رأس الدولة الفاطمية، ومضى فى فراره حتى شمالىّ إفريقيا.

ولما تكاثرت فظائعه وضجّ أهل الشام منه بالشكوى إلى الخليفة المكتفى أرسل إليهم جيشا جرارا بقيادة محمد بن سليمان، فنازل الحسين وأتباعه بالقرب من حماة فى المحرم لسنة ٢٩١ وسحقهم سحقا ذريعا. ففرّ كثيرون من جنده إلى البوادى.

وفر على وجهه مع بعض خاصته إلى الشرق ميمما الفرات، وأسروا هناك جميعا، وصلبوا ببغداد مع عشرات من القرامطة جئ بهم من الكوفة، وكان بينهم بغداديون ذاقوا المصير نفسه (٣). ويذكر الطبرى أن أخا لصاحب الشامة-لعله الأخ الثانى


(١) طبرى ١٠/ ١٠٠.
(٢) طبرى ١٠/ ١٠٥.
(٣) طبرى ١٠/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>