للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشرة آلاف درهم، فأزال ذلك وجعل لمائدته وسائر مؤنه كل يوم نحو مائة درهم، وكان يواصل العبادة والصيام (١)، فبدا غريبا عن روح العصر، وثقل حكمه على الأتراك فأعملوا الحيلة عليه حتى قتلوه. وفى عهده بدأ أمر صاحب الزنج يظهر على نحو ما مرّ بنا فى غير هذا الموضع.

وخلفه المعتمد فى رجب سنة ٢٥٦ وكان يؤثر اللذة ويعكف على الملاهى غير أنه رزق حظوة بأخيه أبى أحمد الموفق وكان حازما مقداما بعيد النظر عارفا بأمور الحرب وشئون السياسة، فغلب على الخلافة وتدبيرها، وأصبح المعتمد معه كالمحجور عليه. وكانت الخلافة العباسية تردّت فى هوة بعيدة القرار، فأعاد إليها هيبتها، وقضى كما مرّ بنا على ثورة الزنج قضاء مبرما، وهزم يعقوب بن الليث الصفار هزيمة نكراء، اضطر على إثرها إلى الفرار إبقاء على نفسه من الموفق وجنوده. وتحركت حينئذ الخوارج فى الموصل وخراسان، وقضى على حركاتها جميعا (٢). وكان القواد من أصحاب الثغور وغيرهم لا يزالون ينازلون الروم فى الصوائف وفى مقدمتهم البطل يازمان الذى نكّل بهم لسنة ٢٧٤ ودارت السنة فغزاهم فى البحر، وأخذ لهم أربعة مراكب (٣).

ويلى الخلافة المعتضد لسنة ٢٧٩، وكان صورة قوية للحزم والجد اللذين ليس بعدهما جد وحزم، كما كان فارسا شجاعا وبطلا مغوارا أنقذ الخلافة مع أبيه الموفق من الزنج الثائرين الذين دوّخوا القواد قائدا تاو قائد. وفى أيامه سكنت الفتن وصلحت البلدان واستقامت له الأمور ورخصت الأسعار. وأديل له دائما من المخالفين عليه، وكانت جيوشه تغدو وتروح بالنصر، وممن ظفر بهم هرون الشارى الذى خرج بالموصل (٤) وثار عليه بأصبهان والجبل فى سنة ٢٨٣ بكر بن عبد العزيز بن أبى دلف العجلى الشيبانى فوجه إليه عيسى النوشرى ففرّ من أمامه، ثم عاد إلى الظهور فى سنة ٢٨٤، وقضى على ثورته. ونازل له السامانيون محمد بن زيد العلوى أخا الحسن الذى مر ذكره، إذ هاجموه بطبرستان وقتلوه على أبوابها (٥) لسنة ٢٨٧. ونازلوا له الترك وفتحوا حاضرتهم وأسروا ملكهم وامرأته خاتون ونحوا من


(١) مروج الذهب ٤/ ٩٧، ١٠٣.
(٢) طبرى ٩/ ٥١٢، ٥٣٢.
(٣) طبرى ١٠/ ١٣ وما بعدها.
(٤) طبرى ١٠/ ٤٣.
(٥) طبرى ١٠/ ٨١ ومروج الذهب ٤/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>