للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يدخل فى هذه الطبقة الأرستقراطية ورثة الإقطاع والضياع الواسعة وكبار التجار الذين كانوا يتجرون برءوس أموال ضخمة فى مطالب تلك الطبقة من أدوات الترف والزينة، وكان فى مقدمتهم النخاسون الذين كانوا يجلبون الرقيق والجوارى من أطراف الأرض، وتجار الطرف النفيسة التى كانت تجلبها السفن من جميع أنحاء العالم. وبالمثل تجار الجواهر ويكفى أن نذكر ابن الجصاص التاجر الجوهرى البغدادى الذى أشرف على جهاز قطر الندى بنت خمارويه كما أسلفنا، فقد هيأ لها من الثياب والجواهر وأدوات الزينة ما كلف أباها مئات الألوف، وحين صودرت أمواله لعهد المقتدر سنة ٣٠٢ للهجرة أخذ منه من المال والجوهر ما عدّ بالملايين حتى قيل إنه بلغ ستة عشر مليونا من الدنانير، ويقول المسعودى:

«الذى صحّ مما قبض من ماله من العين (الذهب) والورق (الفضة) والجوهر والفرش والثياب والمستغلات خمسة ملايين وخمسمائة ألف دينار» (١). وكانت كل طائفة من التجار تقيم فى سوق واحد فيقال سوق النخاسين وسوق الوراقين، وكان من أقربهم إلى الترف البزازون (تجار الأقمشة) والعطارون. وكانت أسواق الأخيرين وأصحاب الدهون والخزازين (تجار الحرير) والجوهريين والصيادلة بعضها إلى جانب بعض ببغداد. وكان الأطباء يحصلون على أموال ضخمة، وخاصة أطباء دار الخلافة وبيمارستانات بغداد، وتزخر كتب طبقات الأطباء بملايين الدراهم والدنانير التى صارت إليهم من الخلفاء، ويقول محمد بن زكريا الرازى الطبيب المشهور إن سبب تعلقه بتعلم الطب إنه أصيب برمد فى عينيه، فأبى الطبيب الذى عرض نفسه عليه أن يعالجه إلا بخمسمائة دينار (٢). وحتى الشعراء والعلماء والندماء كان منهم من يغدق عليهم الخلفاء الصلات، وكذلك الوزراء، حتى ليغدون من علية القوم مثل على بن يحيى المنجم الذى أثرى ثراء طائلا من منادمته للخلفاء.

وإذا تركنا الطبقة العليا إلى الطبقة الوسطى وجدنا كثيرين يندمجون فيها، وفى مقدمتهم علماء العربية والفقه والتفسير والحديث، وكان كثير منهم يأخذ رواتب


(١) مروج الذهب ٤/ ٢١٨ والنجوم ٣/ ١٨٥.
(٢) حكماء الإسلام البيهقى ص ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>