للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الدولة، وكان منهم معلمون يختلف إليهم الناشئة، وكانوا يدفعون إليهم أجورا قليلة، حتى لقد تكون رغفانا من الخبز أحيانا، وكانت هذه الرغفان تختلف اختلاف أسر الصبيان فى الغنى والفقر، ولذلك ضربت الأمثال فى الاختلاف والتفاوت مفاوت رغفان المعلم واختلافها فى الجودة، وكان من الآباء من يدفع أجر أولاده دراهم معدودة. وكان من يعلم أولاد الطبقة العليا تنهال عليه الهبات ويقدّر له راتب شهرى معلوم.

ويدخل فى عداد هذه الطبقة المغنون والشعراء وكان كثير منهم تتدفق عليه الأموال تدفقا، وسنعرض لذلك فى موضع آخر، والمهم أن هذا التدفق كان خاصّا بأفراد منهم ارتفعوا إلى الطبقة الأرستقراطية وعاشوا فى بذخ وترف شديد، أما عامتهم فيسلكون فى الطبقة الوسطى، وقد رأينا كبار الكتاب فى الدواوين ينتظمون فى الطبقة العليا، ولكن كان وراءهم عشرات إن لم يكن مئات يعملون فى الدواوين ويأخذون رواتب متوسطة، وخاصة فى دواوين الخراج ودواوين الجيش وفى أعمال الحسبة ورقابة الأسواق وفى البريد ودواوين الأخبار وفى المكوس والضرائب الجمركية.

ويضمّ إلى كتّاب الدواوين وعمّالها رؤساء الجند ممن يلون القادة، فلم تكن لهم رواتبهم الرفيعة، ولكن كانت لهم رواتب متوسطة تكفل لهم رزقا حسنا.

ومن هذه الطبقة أوساط الصناع وخاصة من كانوا يقومون على أثاث المساكن والأزياء والطعام، ويدخل فى الأثاث صناعة البسط والسجاجيد والنمارق والمقاعد والتخوت والوسائد. وكان مركز الصناعات الأسواق مثلها مثل التجارات، وكانوا جميعا يتناولون غداءهم بمطاعم فى أسواقهم أو فى دكاكينهم، وكانوا لا يتركونها إلا فى المساء. وكان هناك جهابذة كثيرون لاستبدال النقود، وكانت هناك فنادق للغرباء، وكانت المساكن تستأجر وكذلك أثاثها. وإذا عرفنا أنه كان يسكن بغداد بضعة ملايين فى تقدير بعض المؤرخين عرفنا كثرة من كان بها من التجار والصناع، ونجد من كبارهم من كان يربح فى صفقة واحدة ألوف الدنانير (١)، أما أوساطهم


(١) الوزراء والكتاب للجهشيارى (طبعة الحلبى) ص ١٨٥، ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>