للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلما كان يزيد رأس أموالهم فى تجاراتهم على ثلاثة آلاف دينار (١)، وكان الناس يودعون أموالهم لدى بعض التجار الأمناء للاتجار لهم بها مناصفة فى الأرباح.

ونستطيع أن نتصور مستوى المعيشة فى بغداد مما يروى من أن الأسرة المتوسطة كان يكفيها شهريّا خمسة وعشرون درهما، كأن نفقات اليوم المتوسطة لا تحتاج إلى أكثر من درهم واحد (٢). وفى الفرج بعد الشدة للتنوخى خبر يدل على مستوى الحياة وأوسط ما كان الناس يتجرون فيه، إذ يروى عن شخص رقيق الحال أنه ورث أربعين ألف دينار فجأة وعلى غير انتظار، فبنى لنفسه دارا بألف دينار، واشترى آلات وفرشا وثيابا وجوارى ثلاثا بسبعة آلاف دينار، وأعطى تاجرا ألفى دينار ليتّجر له فيها، وخزن عشرة آلاف للشدائد، واشترى بالباقى ضيعة تغلّ له فى كل سنة ما يزيد على مقدار نفقته (٣). وقد لا يصوّر ذلك حياة الطبقة الوسطى تماما، ولكنه يشير إلى أن نفقاتها لم تكن كبيرة، وكان يعدّ من يقتنى سبعمائة دينار صاحب ثروة كبيرة، وكثير من الصناع والتجار لم تكن ثرواتهم تزيد على ذلك، وهم الذين كانوا يندمجون فى الطبقة الوسطى من الأمة.

وتأتى بعد ذلك الطبقة العامة من الرعية، وهى التى كان يقع عليها عبء العمل كله فى الزراعة وفى الصناعات الصغيرة وفى خدمة أرباب القصور، فهى التى تعمل فى الإقطاعات والضياع، وهى التى تقوم على تقديم أسباب الحياتين للطبقتين الوسطى والعليا، عاملة تارة أو صانعة، أو خادمة تارة ثانية. فكل ما تتقلب فيه الطبقتان من النعيم إنما هو من أيدى هذه الطبقة العامة، يسلبونه منها بطرق شتى ولا يبقون لها سوى الضنك والضيق والبؤس والشقاء. ومرّت بنا فى الفصل السابق ثورة الزنج وكيف أنهم كادوا يدمرّون الدولة تدميرا، لشدة نقمتهم على الأوضاع التى كانت سائدة، وما كادت تخمد حتى هبّت ثورة القرامطة، وعنفت بالدولة هى الأخرى عنفا شديدا، وشاعت معها فكرة المهدى المنتظر الذى ينشر العدالة بين الناس فى الأرض، ولو أن دعوة القرامطة وجهت توجيها سليما على أساس العدالة التى


(١) البخلاء للجاحظ (طبعة دار الكاتب المصرى) ص ١٠١.
(٢) مصارع العشاق؟ ؟ ؟ ص ١٥٩.
(٣) الفرج بعد الشدة للتنوخى ٢/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>