للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تصلح حياة الناس بدونها وبيان فساد الحكم العباسى حينئذ وما داخله من جور وعسف لنجحت إلى أقصى حد، ولكنها وجهت توجيها خاطئا على أساس دعوة باطنية، حتى لكأنما محى منها مقصد الإصلاح الاجتماعى، ولذلك أخفقت إخفاقا ذريعا.

ووسائل شتى كانت تبتزّ بها أعمال هذه الطبقة العامة وما بأيديها من أموال قليلة، أما من يعملون فى الأرض من الأكرة والزراع فكانوا عبيدا لا يترك لهم إلاّ ما يسدّ رمقهم، وإن سدّه كان ذلك شيئا كثيرا. وأما صغار الصناع والتجار الأصاغر والفعلة. والفرّاشون والبوّابون وكل من يؤلفون الطبقة العامة فقد كان مثلهم مثل رقيق الأرض لا يكادون يجدون ما يتبلّغون به إلا نادرا وحين يعملون فى الدولة بأجر مهما يكن طفيفا، لأنه يضمن لهم القوت اليومى. وكان من يوجد لديه مال كأنما يقع تحت طائلة العقاب بسبب كثرة الضرائب التى كانت تفرض حتى على الأسواق وما يصنع فيها وما يباع ويشترى. ومما زاد هذه الطبقة بؤسا أن الأسعار لم تكن ثابتة، فكثيرا ما كان يرتفع ثمن القمح والشعير حتى يصبح حصول العامة عليهما عسيرا وحتى لتجأر بالشكوى إلى الخليفة، على نحو ما صنع أهل البصرة فى عهد المعتضد إذ أرسلوا وفدا كبيرا إليه يشكو ما نزل بمدينتهم من غلاء فاحش آملين أن يمدّ الخليفة لهم يد المساعدة (١)

وكانت هذه الطبقة تعمل فى كل المهن الحقيرة، ومن المؤكد أنه نشأت طبقات كثيرة حينئذ من الحرفيين أو المهنيين وأن التخصص أخذ طريقه إليهم، فكان لكل حرفة أصحابها الخاصون، يؤكد ذلك ما روى من أن الجاحظ لم تكن له حلقة على وجه بابه إذا أراد اصطفاقه فطلب من نجار أن يثقب له موضعها، فلما ثقبه قال له: قد جوّدت الثقب وانظر أى نجّار يدق فيها «الرّزّة (٢)» وكأن من النجارين من كان للثقب ومن كان لتركيب الرزة، وهو ما يعنى الاختصاص الدقيق. ولا ريب فى أن ذلك هو الذى أدّى إلى أن تنشأ فى العالم العربى من قديم فكرة النقابات للحرفيين والصناع وإن كانت حينئذ


(١) مروج الذهب ٤/ ١٤٩.
(٢) الحيوان ٣/ ٢٧٦ - ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>