للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالطيب العبق (١). وازدهرت حينئذ بفارس صناعة الروائح العطرية من الزهور والورود والرياحين المتنوعة.

وتفننوا فى المطاعم إلى غير حد، تدل على ذلك المصنفات الكثيرة التى ألفت حينئذ فى فن الطبيخ للحارث بن بسخنّر (من المغنين) ولإبراهيم بن العباس الصولى ولعلى بن يحيى المنجم ولجحظة البرمكى وغيرهم على نحو ما يشير إلى ذلك ابن النديم فى كتابه الفهرست (٢)، وكان الخلفاء يأكلون فى آنية الذهب والفضة، ويذكر أن المكتفى كانت تقدّم على مائدته عشرة ألوان فى كل يوم سوى صنوف الحلواء (٣)، وكان ما يقدم قبل الخليفة القاهر على مائدة الخلفاء من صنوف الطعام والحلواء يقدّر بثلاثين ديارا (٤)، ويقال إن ثمن المسك الذى كان ينفق يوميّا فى مطبخه عشرة دنانير (٥) فما بالنا بما كان ينفق على الطعام والحلواء والفاكهة. . .

وبالمثل كان الوزراء يسرفون فى الإنفاق على طعامهم وموائدهم، ومرّ بنا أنه كان لحامد بن العباس وزير المقتدر أربعون مائدة يختلف إليها فى كل غداء أفواج من الناس. ويقول الصابى فى كتابه الوزراء إنه كان لابن الفرات مطبخان: مطبخ للخاصة، ومطبخ للعامة، وكان يقدم إلى الأخير يوميّا تسعون رأسا من الغنم وثلاثون جديا غير المئات من الدجاج، وكان الخبّازون وأصحاب الحلواء يعملون ليل نهار. ويصف لنا الصابى مائدته الخاصة به وبأصحابه المقربين، فيقول:

إنه كان يدعو إلى طعامه فى كل يوم تسعة من أصفيائه الكتّاب، وكان بينهم أربعة نصارى: «فكانوا يقعدون من جانبيه وبين يديه، ويقدّم إلى كل واحد منهم طبق فيه أصناف الفاكهة الموجودة فى الوقت من خير شئ، ثم يجعل فى الوسط طبق كبير يشتمل على جميع الأصناف، وكل طبق فيه سكّين يقطع بها صاحبها ما يحتاج إلى قطعه من سفرجل وخوخ وكمثرى، ومعه طست زجاج يرمى فيه بالثفل. فإذا بلغوا من ذلك حاجتهم واستوفوا كفايتهم شيلت الأطباق وقدّمت الطسوت والأباريق، فغسلوا أيديهم، وأحضرت المائدة مغشّاة بدبيقى فوق مكبّة خيازر، ومن تحتها سفرة (مفرش) أدم فاضلة عنها، وحواليها مناديل. . . فإذا


(١) البخلاء (طبعة دار الكاتب المصرى) ص ٢٥.
(٢) الفهرست لابن النديم (الطبعة الثانية للمكتبة التجارية بمصر) ص ٤٥٤.
(٣) مروج الذهب ٤/ ١٩١.
(٤) عريب ص ١٨٣.
(٥) كتاب الوزراء ص ٣٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>