للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضعت رفعت المكبّة (غطاء الآنية) والأغشية، وأخذ القوم فى الأكل، وابن الفرات يحدّثهم ويؤانسهم ويباسطهم. فلا يزال على ذلك، والألوان توضع وترفع أكثر من ساعتين. ثم ينهضون إلى مجلس فى جانب المجلس الذى كانوا فيه ويغسلون أيديهم، والفرّاشون قيام يصبون الماء عليهم، والخدم وقوف على أيديهم المناديل الدبيقيّة ورطليّات ماء الورد لمسح أيديهم وصبّه على وجوههم» (١) وكأن العباسيين لم يتركوا للمدنية الحديثة شيئا.

وكان فى بيوت الكبراء شرابى يعنى بالشراب وآلته وبالفاكهة والروائح (٢)، وكان بجانبه الشوّاء والطبّاخ والخبّاز والخبّاص وهو الذى يصنع الحلوى، وفى كتاب البخلاء للجاحظ وغيره من كتب العصر أسماء أطعمة كثيرة مثل السّكباج، وهو لحم يطبخ بخلّ ويضاف إليه شئ من الزعفران لتطيب رائحته، والمضيرة وهى لحم ممزوج ببعض التوابل، والشبارقات وهى شرائح مشوية من اللحم، والطباهج وهو طعام من لحم وبيض وبصل، والهريسة وهى لحم وماء وسميذ إلى غير ذلك من أطعمة كثيرة. ثم الحلوى من الفطائر والرقاق، ومنها اللوزينج، وكان يتخذ من اللوز والدقيق والفستق ويرشّ بماء الورد، ومنها الفالوذج وهو حلوى من النشا وعسل النحل والسمن، والخشكنان وهو كعك يحشى بالجوز والسكر.

ثم الأشربة ومنها الجلاّب وهو شراب ممزوج بماء الورد، وكانت تقدّم مع الطعام المشهيات ويسمونها النّقل، وكانت تتألف-كما فى عصرنا-من أشياء حرّيفة.

وكتبوا كثيرا عن آداب الطعام نجد ذلك منثورا فى كتاب البخلاء للجاحظ وعيون الأخبار لابن قتيبة وأدب النديم لكشاجم وكتاب الموشى للوشاء، وفيه فصل طريف عن زى الظرفاء فى الطعام.

وكانوا يفصلون وقت الشراب عن وقت الطعام، وفيه يكون السمر، ودائما نجد الندماء، وكان لكل خليفة ندماؤه من العلماء والمنجمين والأطباء ومن يوردون


(١) كتاب الوزراء ص ٢٤٠.
(٢) كتاب الفرج بعد الشدة التنوخى ٢/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>