للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوادر والفكاهات ومن يعرفون كيف يرضونه فى ساعات صفوه وساعات سخطه، وكانت تغمرهم الصلات السنية على نحو ما يروى عن على بن يحيى المنجم وما قيل من أنه وصله من المتوكل وحده ثلثمائة ألف دينار، وكان نديما ممتازا، فهو شاعر وطبيب وأديب ومضحك وصاحب نوادر. وتخصصت أسرة حمدون بهذه الصناعة، وهى من سلالة حمدويه صاحب الزنادقة فى عصر المهدى، فكان إبراهيم بن حمدون ينادم المعتصم ثم الواثق ولحق عصر المتوكل، وكان ينادم المعتمد منهم أبو محمد بن حمدون، أما أبو عبد الله أحمد بن حمدون فكان ينادم المتوكل وغيره من الخلفاء، ويقال إن المتوكل وصله فى مدة خلافته بثلثمائة وستين ألف دينار وإن المستعين وصله بأكثر مما وصله به المتوكل (١). ونجد فى بلاط المتوكل كثيرين من الندماء، ومنهم أبو العبر وأبو العنبس الصيمرى الذى قلد أمامه البحترى فى إنشاده الشعر تقليدا مضحكا. وكان المعتمد كثير الندماء مثل المتوكل، وفى مروج الذهب حديث دقيق لبعض ندمائه عن آلات الطرب والغناء والرقص، ويقول المسعودى بعقب ذلك: «وللمعتمد مجالسات ومذاكرات ومجالس فى أنواع من الأدب، منها مدح النديم وذكر فضائله» (٢)، ولا بد أن يكون كشاجم استفاد فى كتابه «أدب النديم» من ذلك فوائد كثيرة. وكان المعتضد يفرد حجرة للندماء، ليستدعيهم منها، وكان لكل منهم نوبته أو دوره (٣).

واشتهر الراضى بأنه كان يوسع فى مجالسه للندماء «ولم يكن ينصرف عنه أحد من ندمائه فى أى يوم إلا بصلة أو خلعة أو طيب، منهم محمد بن يحيى الصولى وواحد من بنى حمدون» (٤). وكان للوزراء ندماؤهم، بل كان أيضا لعلية القوم وكبار الموظفين فى الدولة، ويكفى أن نعرف مثلا أن أحمد بن المدبر كان له سبعة ندماء لا يأنس بغيرهم ولا ينبسط إلى سواهم (٥)، ومن المؤكد أن وظيفة هؤلاء الندماء هى التى دفعت الجاحظ إلى كتابة مصنفه البخلاء للتسلية والتندير، وكثر من حوله


(١) معجم الأدباء (طبع القاهرة) ٢/ ٢١٧.
(٢) مروج الذهب ٤/ ١٣٨.
(٣) تاريخ بغداد ٧/ ٣٨٠.
(٤) مروج الذهب ٤/ ٢٤٤.
(٥) مروج الذهب ٤/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>