للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باتخاذ أشياء ينكرها الشرع، حتى يتلومهم العوام من حولهم فلا يقفوا على حقيقة تصوفهم وإخلاصهم لله، ومنهم انتشر مذهب الملامتية بنيسابور، إذ يبدون فى مظهر المذنبين دائما، مما أعدّ للقعود-فيما بعد-عن النهوض بفرائض الشريعة.

أما فى هذا العصر فنجد المتصوفة دائما يعلنون تمسكهم بها، حتى ليقول سهل ابن عبد الله التسترى الصوفى المتوفى سنة ٢٨٣: «أصولنا سبعة أشياء: التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأكل الحلال، وكفّ الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق» (١) وفى رسالة القشيرى أنه كان ينكر الكرامات إنكارا شديدا.

وأهم صوفى ظهر بأخرة من القرن الثالث الجنيد (٢) المتوفى سنة ٢٩٧ وينعت بالقواريرى الخزّاز، لأن أباه كان يبيع الزجاج وكان هو يبيع الخزّ، وأصله من نهاوند بالقرب من همذان، إلا أن مولده ومنشأه ببغداد، وهو ابن أخت السرىّ السقطى وعنه أخذ الطريقة، وأخذها السّرىّ بدوره عن معروف الكرخى. وكان ورده فى اليوم ثلثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة، وفى طبقات الصوفية للسّلمى أنه كان يقول: «ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات»، ويقال إنه أقام عشرين سنة لا يأكل إلا من الأسبوع إلى الأسبوع، وكان يصلى كل ليلة أربعمائة ركعة. وكان يقول:

«طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة، ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقّه لا يقتدى به». وتتردد على لسانه كلمتا الطريق والمريد، مما يدل على أنه أخذ يشيع منذ العصر العباسى الثانى نظام الطرق والمريدين فى التصوف، فللإمام الصوفى طريقة، يحملها عنه مريدوه من تلاميذه وأتباعه وينشرونها فى موطنه وغير موطنه من العالم الإسلامى. وأتاح هذا النظام البقاء لكثير من طرق الصوفية، وصبغها بصبغة جماهيرية شعبية، وإن كان قد رشّح لأن يكون الارتباط فى الطريقة بالإمام الصوفى نفسه لا بمبادئه وأفكاره، وبذلك أوجد صلة وثيقة بين الشيخ


(١) السلمى ص ٢٠٣.
(٢) انظر فى ترجمة الجنيد تاريخ بغداد ٧/ ٢٤١ والرسالة القشيرية فى مواضخ مختلفة وابن خلكان والسلمى ص ١٤١ وطبقات الشافعية للسبكى ٢/ ٢٦٠ ومرآة الجنان اليافعى ٢/ ٢٥١ والنجوم الزاهرة ٣/ ١٦٩ وشذرات الذهب ٢/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>